التنين الحذر

آراء 2020/12/16
...

 محمد شريف أبو ميسم 
ازدادت تحركات الصين باتجاه الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى، حتى كشفت عن أهمية بالغة يوليها التنين الصيني بشكل حذر لهذه المنطقة، ازاء مشروع تتبناه الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل، يهدف لاقامة تكتل اقتصادي منذ سنوات، على غرار منطقة اليورو. 
اذ سعت الصين الى التقارب مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي، واستطاعت على خلاف التوقعات أن تدخل بثقلها الاقتصادي لتقنع دولا عديدة في فكرة الانخراط بمشروعها العالمي المسمى «الحزام والطريق» الذي سيسيطر على نحو كبير من حركة التجارة العالمية، ويؤمن للمنتجات الصينية الوصول الى أبعد نقطة في الأسواق العالمية. 
وكانت دراسة أعدتها مؤسسة RAND الأمريكية لصالح الجيش الأمريكي في العام 2016 حملت عنوان “الصين في الشرق الأوسط” قد أشارت الى أن اهتمام الصين بهذه المنطقة يأتي بموجب اعتمادها المتنامي على موارد الطاقة فيها، فضلا عن كونها سوقا للمنتجات الصينية، الا ان طموح الصين بحسب الدراسة ينصب على مشروعها “الحزام والطريق” البري عبر ايران، والبحري عبر احياء طريق الحرير الجنوبي، ودعت الدراسة الى الانفتاح على الصين للمشاركة في هذه المنطقة لكي لا تميل كثيرا لصالح شرق الصين وشرق آسيا، فضلا عما يمكن أن تفضي اليه مشاركتها بشأن الحد من التوترات وتحقيق الاستقرار، على اعتبار انها دولة صديقة لجميع دول الشرق الأوسط ولا تعادي أحدا. الا انها لفتت الى ان الصين تخشى التورط في التوترات والخلافات الاقليمية، وتخشى أيضا أن تؤدي المشاركة الأمنية الأوسع نطاقا الى ضعضعة مكانتها الفريدة، بوصفها القوة الخارجية الوحيدة التي تربطها علاقات جيدة مع كل دول هذه المنطقة، بينما دعت الى انخراط حلفاء أميركا الآسيويين في المناطق ذات الصلة بقلب المشروع الشرق أوسطي.
ومنذ ذلك الحين، وبموجب قاعدة التوازنات في البيئات الاقليمية، التي تبحث عن الاستقرار لجذب الاستثمارات، استوعب الجميع وعلى ما يبدو، ما تفرضه أهمية تواجد التنين الحذر في المنطقة لربط مصالحه مع مصالح المشروع الأميركي، من دون الخوض في النزاعات. فوقعت أغلب دول الخليج اتفاقيات للانخراط في المشروع الصيني “الحزام والطريق”. وزادت العربية السعودية عن ذلك بتوقيعها اتفاقية اقتصادية كبيرة معها، ولم تتردد ايران عن توقيع اتفاقية اقتصادية تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار، جلها استثمارات في مشاريع الطاقة وحركة التجارة، بينما بقي التنين حذرا وهو يغازل جدائل ما بين النهرين.