سياسة الصبر الستراتيجي

آراء 2020/12/18
...

 عباس الصباغ 
 
 
وأنا أستقرئ حيثيات التاريخ محاولاً البحث عن الأسباب التي أدت وتؤدي الى حدوث الكوارث الشاملة وإيجاد تفسير مقنع لها وجدت أنَّ الكثير منها يعود الى عدم انتهاج سبيل الحكمة من قبل الأطراف المتشابكة او الأطراف المتنازعة، والمتمثلة بسياسة الصبر الستراتيجي في استيعاب الأزمات المحتدمة او المفتوحة بينها، فهذا المفهوم ليس بالجديد عن الواقع السياسي المكتظ بأسباب التوتر التي تصل بعضها الى درجة تكاد تستحيل فيها الى قنابل موقوتة أو ألغام مؤجلة، فالصبر الستراتيجي بات حقيقة لا مناص منها في مناخ القرن الحادي والعشرين وفي ظل احتدام الأزمات الساخنة والتراشقات الكلامية الصاخبة والتي قد تفضي الى درجة المواجهات الميدانية الفعلية تظل سياسة الصبر الستراتيجي صمام الأمان لامتصاص حدة الغضب او التسرع المؤدي الى قدح شرارة صراع لا يعرف أحد سوى الله ما سيؤول إليه من خراب ودمار شامل، وقد تكون اسباب ذلك تافهة وبسيطة والسيطرة عليها باستخدام آلية الحوار المشترك وتدخّل الاطراف الدولية المعنية باحتواء الازمات الساخنة، وما الحربان العالميتان المدمرتان الاولى والثانية وسلسلة الحروب التي تحدث بين آونة واخرى مخلفة الكوارث المادية والبشرية لاسيما الحروب بالوكالة بين دول العالم الثالث إلّا أمثلة بسيطة على عدم التأني والتروي وانتهاج سبيل الحكمة المتمثل بالصبر الستراتيجي وكم خلاف دام بين دولتين او طرفين ادى الى تسونامي دمار اطاح بالمرتكزات الحضرية والبشرية وحولها الى رماد او اثر بعد عين.
ولكن قد تتبدل المصالح والسياسات والأمزجة والمناخات وتستحيل تلك العداوات والمنازعات الى صداقات او توافقات وحينئذ تنتبه الاطراف التي كانت متنازعة او متصارعة الى حجم الخراب الذي تركوه في بلدانهم والبلدان الاخرى، وقد يتداركون اخطاءهم وخطيئاتهم حيال شعوبهم والانسانية عموما وقد يرجعون الى صوابهم ويدركون أنهم لو تمسكوا بسياسة الصبر الستراتيجي لما وصلت الامور الى هذا الخراب والى هذا الكم الهائل من التوحش ولكن بعد فوات الأوان.
الالتجاء الى الحكمة والصبر هو ليس دعوة طوباوية مثالية تنطلق من ارضية فلسفية مخملية بل هي حاجة انسانية عامة للصبر الستراتيجي والمقترن دائما بالذكاء التكتيكي المطلوب اقترانا لازما لاينفك أحدهما عن الاخر ليؤديا الغرض ذاته، ستراتيجية ادارة الازمات ذات النهايات المفتوحة والحادة يجب ان تقترن بالصبر الستراتيجي، ولا مناص عن ذلك حفاظاً على الأمن والاستقرار الدوليين.