عزيزي بدر..

ثقافة 2020/12/19
...

علي وجيه 
المعلّم، المُلهِم، العزيز بدر شاكر السيّاب المحترم..
تحيّة طيّبة، وبعد..
لا أعلمُ ما إمكانية أن تقرأ صحيفة الصباح، أو أن يصلك رابطُ هذه الرسالة المُوجزة، التي أرسلُها إليك، من بغداد إلى مقبرة الحسن البصريّ في البصرة، حيثُ 
تستقرّ عظامُكَ النحيفةُ، بجانب أصدقائك ومحبّيك ومواطنيك.
وددتُ أن أقول لك إن معرض العراق الدولي للكتاب انتهى يوم أمس، أعني دورةَ 2020، وأن ملامحك كانت الحدث الرئيس بين قاعات خمس، فقد تصدّر وجهُكَ الجناح العراقيّ، بصدور طبعة محقّقة من ديوانك، بمجلّدين، ظهرتَ فيها وسيماً على الغلاف.
الطبعة التي أتحدثُ لكَ عنها صدرت بالاشتراك بين داريْ الرافدين وتكوين، وبتحقيق علي محمود خضيّر، وهو شاعرٌ شاب، من جيلٍ نكتب فيه سويّةً، فقد ظهر بعد وفاتك ستّينيون وسبعينيّون وثمانينيّون وتسعينيّون، وحين عجز النقد عن تسميتنا قال إننا «جيل ما بعد التغيير»، فقد ظهر بعدك البكر وصدّام، وهذه قصّة يطول شرحها، ودخل علينا الأميركان، وتلك قصّة أطول.
المهم، قام عليّ، البصريّ، بتحقيق ديوانك، وتصحيح نسخه الشوهاء التي صدرت بعد وفاتك، بمتونٍ ناقصة، أو سطور ساقطة، ثمّ أضاف له صوراً ووثائقَ واستدرك عليه قصائد عديدة، بورقٍ أصفر، وغلاف فيه تموّجات الماء التي تحبّها، حين ينعكسُ القمرُ على ماء القصيدة، كما تحب أن تفعل دائماً.
هذان المجلّدان، خلّصا عراقيين من طبعاتٍ تجارية، عن دور مغمورة، وأخرى مشهورة غير دقيقة، وعدتَ معنا، شاعراً شاباً، وموجوداً في المتن، وقدّمها صديقُكَ أدونيس، بكثيرٍ من المحبة.
انتهى المعرض، وأمطرت السماء بشكلٍ خفيف، ونسائم باردة، كانت هناك بناتٌ جميلاتٌ كثيرات يحملنَ ديوانك، وشبّان أكثر، ولو رأيتَ المشهد لكتبتَ قصيدة ثانية تشبه تلك التي تمنّيتَ بها الفرار من «صدرٍ إلى ثانِ».
كُتب عنك، يا بدر، الكثير، لكن قصيدتك هي ما ظلّ يُعرب عنك، كتب عنك كبارٌ وصغار، محبّون وكارهون، لكنك كنتَ تجبرنا، كلما فتحنا الديوان، على الصعود معك في زورقٍ صغير، لنتنقل بين مياهك البصريّة، المياه التي جرت لأنك كتبتَها، وحوّلتها من سواقٍ إلى وجودٍ كامل، شعريّ وفكريّ ومكانيّ.
أحببتُ أن أُفرِحكَ بهذا الخبر، لأنني أحبّ قصائدك، وأحبّ علي محمود خضيّر، الذي اختفى منّا عامين، ليعمل على ديوانك! 
كُن بألف خير.