الكتّاب بشر مثلنا!

آراء 2020/12/19
...

 رفيف الشيخلي
في مقالة بعنوان "الكاتب في إجازة" من كتاب رولان بارت "أسطوريات أساطير الحياة اليومية" تتحدث بعض فقراته عن المعلومات الشخصية للكتّاب والأثر، الذي تولده لدى القراء والمتابعين، حين يعرفون أمورا حياتية قد تكون مشتركة، كالمقهى المفضل لكاتب معين، أو ما يحبه من الطعام، اللون الطاغي على ملابسه، وكيف أن مثل هذه التفاصيل الشخصية تخلق نوعا من الإحساس بالأخوة، والصداقة بين الكاتب والقارئ، وهذا ما صرنا نعيشه ونلاحظه بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك. 
إذ أصبحنا كقراء قادرين على صداقة الكتاب بكل سهولة، ومعرفة الكثير من التفاصيل الشخصية عنهم، عن أصدقائهم، وأسرهم، وأفكارهم، أين التقوا معارفهم 
ومن هم؟. 
لكننا في المقابل، نجد في كتاب "أنا أو سلفي إذن أنا موجود" أن كثرة النشر في مواقع التواصل من صور وأفكار وكل ما يفعله الشخص/ الكاتب، والاهتمام الشديد بعدد التفاعلات من الإعجابات والتعليقات، هي نوع من الخلل النفسي، الذي قد يكون بسبب الغرور وتضخم الأنا، أو هروب غير واع من الوحدة بمحاولة "استجداء" تفاعل عن طريق كثرة النشر، وقد يفهم أيضا أنه نوع من "الدعاية" تماما كما تفعل الشركات مع منتجاتها، وقد يصل الأمر إلى الرغبة غير الواعية في السيطرة على الآخر بالأفكار ومحاولة 
التأثير.
وهنا يتبادر إلى ذهننا السؤال عن أي الرأيين أصوب وأصح، وقد نفكر بعدة أجوبة نسبية من قبيل وتيرة النشر، ونوعية المعلومات الشخصية التي يسمح الكاتب بإظهارها لكن، دعونا نقلب الموضوع رأسا على عقب، ونسأل القارئ: ما الذي يهمك في الكاتب؟ أهي أفكاره أم تلك الأمور الشخصية، التي لا تغنينا في شيء كلونه المفضل؟ ولماذا لا يتم المزج بين الجانبين لفهم أكثر عمقا لما ينتجه الكاتب؟ وألسنا نحن كقراء مخطئين حين نتعامل مع الكتّاب على أنهم نوعية خاصة، أو فئة غريبة، وعوض أن نهتم بما يقدمونه لنا نبحث عن تفاصيلهم الشخصية؟ أليس الكتّاب بشرا مثلنا أيضا؟ يحبون ويكرهون، ويفرحون ويغضبون، وقد يعانون من الوحدة بسببنا نحن القراء. 
بسبب رغبتنا الملحة في النبش في تفاصيلهم الحياتية، أو صراخنا ضدهم كلما رغبنا في صوت يوصل همومنا ومعاناتنا. وغضبنا منهم حين لا نجد ضوءا ينير ما استغلق عن فهمنا؟ وكأننا ننسى أن فعل الكتابة يحتاج أولا إلى القراءة والفهم، والهدوء والصبر، وهذا يأخذ 
زمنا. 
وألسنا في علاقة تفاعلية مع الكتاب؟ لا أقصد فقط فعلي الكتابة والقراءة. بل علاقة القبول والاحترام والتفهم، حين يقدم لنا كاتب إبداعا مميزا، هذا احترام لنا كقراء وثقة في مستوانا الثقافي وقدراتنا على التقاط الرسائل. 
وبالتالي، حين نحترم نحن وجوده وخصوصيته واختلافه وكونه إنسانا مثلنا له ظروفه الاجتماعية والصحية والأسرية والاقتصادية والسياسية، ونحاول الإنصات الجيد لما يقدمه لنا، فنحن نشكره ونبادله الاحترام، طبعا هناك من لا تنطبق عليهم هذه الصفات، من كل الفئات والمهن، لكن ليس هذا ما يعنينا، ما يهمنا هو الكف عن النظر إلى الآخر باعتباره 
مهنة. 
وأنه لولانا كقراء لما كانوا كتابا، لأن الفعل تبادلي، فلولاهم لما كنا قراء أيضا. والأهم ألا يغيب عن وعينا أن الكتّاب، هم في النهاية بشر أيضا، وليسوا حواسيب نضغط على أزرارها فتصنع لنا ما نود سماعه، وان نتعلم ان نمزج كل هذه الأمور كي نفهم بشكل أوسع. ففي النهاية، لا يهم إن كان النشر على مواقع التواصل فعلا إيجابيا أو يعبر عن حالات نفسية، قد يكون كلا الأمرين، المهم هو القدرة على التقاط كل التفاصيل وقبولها لخلق تفاعل إيجابي يحترم التناقضات 
البشرية.