القراءة الجوهريَّة للعمل الروائي

ثقافة 2020/12/20
...

ضحى عبدالرؤوف المل
تكشف القراءة الجوهرية للعمل الروائي عن حقيقة القراءة الموضوعية الملتزمة بالأسس العملية لبناء العمل الروائي بعيداً عن التخييل الذاتي، وإعادة تكوين العمل الروائي تبعا لمتخيل القارئ وذاكرته غير القادرة على الاحتفاظ بكل تفاصيل العمل الروائي، وإنما يمكنها الربط بين البناء الجذاب والآخر الهش تبعا للتسلسل وللتشويق أو لما هو متناقض مع أفكار القارئ أو منسجم معه، وفي الحالتين تتطلب القراءة الإعجاب بالفكرة، وبالنقاط المهمة المثيرة لكل قارئ، وتبعا للقيم التي يلتزم بها من دون تحيز للكاتب وعلاقته بالنص، وبتلقائية تثير الفهم وتستفز الذهن وتحظى بالإعجاب المطلق بالكاتب بل وبالبطل وردود أفعاله.
فهل من التزام في الأسس الجوهرية للقراءة عند كل قارئ، وهل تحتفظ ذاكرة القارئ بالعناصر الاساسية للعمل الروائي؟ أم أن القراءة هي متعة التخييل الخاصة بكل قارئ؟. 
تختلف القراءات باختلاف مستويات القرّاء من قارئ عادي إلى قارئ يمارس تعليم النصوص وتحليلها، أو قارئ يستثمر النص لإثارة مخيلته، وخلق عدة شخصيات من شخصية واحدة مثل “مدام بوفاري” و”الامير الصغير” وغيرها من الروايات التي تسعى إلى خلق شخصية فريدة من نوعها تسمح بخلق شخصيات اخرى مضادة تنبثق منها وتتعارض معها مثل روايات توني موريسون ايضا أو ايتالو 
كالفينو. 
فهل يمكن للكاتب أن يكون قارئا أولاً لعمله بعيداً عن الانعكاس الذاتي والانغماس بالتصور الفعلي للبطل المظلل بالكثير من الشخصيات الثانوية والمكملة للبناء الروائي؟، يستخدم الروائي القارئ كعنصر فعّال من عناصر البنية النصيَّة خاصة عند مخاطبة القارئ ضمن الرواية نفسها، وقد تختلف المخاطبة بين روائي 
وروائي. 
إلا أن ما تشترك به أغلب الأعمال هو مشاركة القارئ للكاتب في القرار المهم الذي يمكن اتخاذه لتحديد مسار البطل او الشخصية الرئيسة في الرواية، وقد تختلف المصطلحات بين عزيزي القارئ أو أيها القارئ. 
إلا أنها تتشابه في كثير من الاعمال الروائية على مر العصور، وتصل إلى حد الاستهزاء بالقارئ السيء لاكتشاف الصدمات التي يمكن احداثها بالمتلقي على جميع مستوياته أثناء قراءة العمل أو توقع ذلك. فهل يتطور القارئ اثناء القراءة؟، وهل يمكن اعتباره الشخصية الخفية التي يجب على الروائي الاهتمام بها؟، وماذا يتوقع المؤلف من القارئ في حال ابتعد عن الذاتية المفرطة أثناء كتابة العمل الروائي؟. 
إنَّ الروائي الممسك بأوتار السرد كالمؤلف الموسيقي الممسك بالنغمة، والقادر على الاهتمام بالسلم الموسيقى وما تعنيه المقطوعة للمستمع، ومن ثم فإن قدرة الروائي على تذوق عمله الروائي تبدأ من قدرته على الامساك بأنواع القرّاء، وصولا إلى التحليل النفسي، والتخفي ما وراء النص، بل وتحطيم الاوهام التي يقع فيها القارئ من خلال تسلسل الاحداث ونمو الشخصيات، بل والكشف عن القوة التي يبارز بها المؤلف القارئ والاصرار على وضع الاختيارات امام القارئ، لاكتشاف كنه الشخصية والتحاور معها ضمن ما يسمى المحاكاة الساخرة في العمل الروائي. فهل نأى كُتّاب هذا العصر عن ذلك أم أن المحاكاة الساخرة هي بصمة الرواية الواقعية غالبا؟، ومتى يمكن أن يتماهى القارئ الحقيقي 
مع الكاتب؟. 
إنَّ ضمير المخاطب في الكثير من الروايات تشهد على حُسن القراءة الجوهرية التي يتقنها القارئ، وهي الوسيلة الحقيقية التي يستدعي بها الكاتب القارئ الى الداخل، ويجعله في حالة من الاستجواب مع الشخصية الرئيسة أولا، ومن ثم الشخصيات الأخرى من دون الاحساس بالضعف أو التراجع إلى الخلف. لترك القارئ وجها لوجه مع الشخصيات، ومن ثم دمج القارئ الحقيقي بالعمل الروائي واكتشاف حيلة الكاتب، فلا يستطيع ان يتراجع إلا بعد استكمال فعل القراءة كقارئ ضمني يعتمد على معرفته الشخصية في الاستنتاج 
والتحليل. 
فهل يمكن اعتبار من دون كيشوت الشغوف بالفروسية هو القارئ الذي وقع ضحية الكاتب؟، أم أن الكاتب نفسه وقع ضحية فعل القراءة الجوهرية لأعماله؟.