خزانةُ التأويل التي يضعُها عبد الفتاح كيليطو، بكتبهِ كلّها، هي خزانةٌ لا تُشبهُ ما لدى غيره، سواءً كان الأمر متعلقاً بأعماله الكاملة، أو بكتبه الصادرة بعدها، وآخرها “في جوّ من الندم الفكري”، عن دار
المتوسط 2020.
تأويلُ كيليطو، لا يُشبه تأويل غيره، الخلطة التي يستخدمها لتفكيك المُقامات، أو ألف ليلة وليلة، أو المفاهيم الأخرى مثل الترجمة، ونقل الأنساق عبر اللغات الأخرى، أو الهوية داخل الكتابة، يخلطُ كيليطو في كتابته المفردة، التي لا تتثنى مع غيره، مع نثره الساحر، وانتباهاته التي تفتحُ في ذهنك نوافذ إضافية، وأنتَ تقرؤه بشكلٍ آخر، ثم تعود لتقرأ ذات الأثر التراثي بعين جديدة، مُضاف لها عين وإبصار كيليطو، بطريقةٍ أخرى.
بعد أن أنهيتُ كتابَهُ الأخير “في جوّ من الندم الفكري”، كتبتُ بطريقة انفعالية، انفعال المريد المرتوي من الشيخ ودروسه، “لو أنه وُهبَ 1000 عام عُمراً، وجهد ألف شاب، و1000 مكتبة عامة، للناقد عبد الفتاح كيليطو، لتوقفتُ عن قراءة أي شيء آخر، ولاكتفيتُ به بعيداً عن أي كتاب وكاتب. ولو انقطعتُ بجزيرة، وأمامي مكتبتي لأختار منها عنواناً واحداً، لَما اخترتُ سوى أعماله الكاملة!”.
هكذا تساءلتُ بعدها: ما قيمة التأويل أن يكون معك في جزيرة، بغياب الأثر الأصلي المتعرض لهذا التأويل؟ ما جدوى أخذ أعمال عبد الفتاح، دون أخذ نسخة من (ألف ليلة وليلة) أو (المقامات)، أو غيرها من الكتب التي لا يفوّت فرصة للكتابة عنها؟ ثم ما نفع
التأويل في إطار الجزيرة المنقطعة، في حين أنك كلّك مهدد بالموت، كيف ستقرأ كيليطو؟ وهل اقترحتُ لنفسي، بهذه الانفعالة الوقتية، سيناريو يشبه حيّ
بن يقظان؟ التفكر بالعالم على جزيرة منفردة، عبر نافذة كيليطو؟ وأين سأضعُ تلك الأعمال إن كان هناك عواصف، وهل يمكن، إن جعتُ، أن آكل هذه الطبعة الأنيقة لأعماله من توبقال، أو
المتوسط؟.
ومثل متاهة بورخيس العجيبة، صنع كيليطو تلك المتاهة بذهني، حين فكّرتُ بكيليطو، بطريقة كيليطو وبورخيس بوقتٍ واحد، لأكتشف وقتها أن لا ندم في جوّ الندم الفكري لديه، وأن النصّ يفتحُ آخر إلى
ما لا نهاية.