معدلات التخصيب

الصفحة الاخيرة 2020/12/20
...

عبد الهادي مهودر
لا أثق بتوقعات المنجمين التي تعرضها القنوات الفضائية عما سيحصل في السنة الجديدة المقبلة 2021 فهو كلام يطلق في الهواء بلا حساب، سواء حصل أم لم يحصل لكني أثق بتوقعات وزارة التخطيط وارقامها وإعلامها وجهازها المركزي للإحصاء، فمنذ وعيت على هذه الدنيا وهم يحصون ويعدون ويتوقعون، والشعب يتكاثر بلا اكتراث والنسوة تزغرد والقابلات تقبض، فيعيدون  التعداد والحساب مرات ومرات وهكذا في كل العهود.
وفي آخر بياناتها رأت الوزارة أن ابرز التحديات التي ستواجه العراق خلال المرحلة المقبلة، هي ارتفاع معدل النمو السكاني نتيجة لتزايد معدلات الخصوبة، وعلى هذا الاساس توقعت الوزارة وصول عدد سكان العراق إلى اكثر من 53 مليون نسمة بحلول سنة 2030، ولم يكن هذا التوقع صادماً، بل مؤكداً للأمر الواقع و التكاثر الانشطاري المتواصل في ايام اليسر والعسر، ومهما بلغت التحديات، فالخصوبة في بلاد الهلال الخصيب كانت منذ البدء هي العلامة الفارقة في سجل العراقيين وفي جميع العهود الملكية والجمهورية، سواء كان الحكم دكتاتوريا ام ديمقراطيا، ملكيا ام جمهوريا، وبقي ارتفاع معدلات التخصيب هو الإنجاز الأبرز على طول الخط، إذ كان تعداد العراق سنة 1921 نحو ستة ملايين ونصف المليون نسمة تقريبا في بدايات العهد الملكي وفي تعداد عام 1979 بلغ عدد سكان العراق 12 مليون نسمة وفي مطلع الثمانينيات  بلغ 12 مليوناً ونصف المليون وتمت  اضافة نصف مليون نسمة "للضرورات الغنائية " وصار 13 مليون نسمة، وارتفع إلى 16 مليوناً في تعداد عام 1987 وإلى 22 مليوناً  عام 1997 ويناهز الاربعين مليوناً في سنة 2020 الحالية، والخط البياني  بين عامي 1921 و 2030 يسير بشكل متصاعد كالصاروخ المنفلت من ستة ملايين ونصف المليون عراقي الى اكثر من خمسين مليون نسمة بمعدل ولادة مليون طفل سنويا حسب التوقعات وعلى الرغم من الوفيات والحروب وحوادث السير وجائحة كورونا، ورب سائل يسأل وما الفائدة من توقع هذه الاحصائيات المرعبة قبل اربع سنوات ؟والجواب واضح فلابد من الإنذار المبكر لعواقب الانفجار السكاني غير المدروس والذي لا يقابله توفير لخدمات السكن والكهرباء والماء والغذاء والمدارس والمستشفيات والجسور وتوسيع المدن والنواحي والاقضية وتنظيم الأسرة والحد من زيادة عدد الولادات حسب مادعت اليه وزارة التخطيط، والوزارة، تدق ناقوس الخطر لأن درجات التخصيب زادت عن العشرين بالمئة في مفاعلنا الوطني، ومن حذرك كمن بشرك! 
تحدث كل هذه المشكلات وتتفاقم ومساحة الدولة العراقية كما هي ان لم تنقص منها مساحات شاسعة منحناها للدول الشقيقة والمجاورة على طول الزمن، لكنهم لم يمنحونا (وصلة گاع ) منذ أن سكنا جنبا الى جنب على سطح هذه البسيطة، ويمكن تشبيه الحال ببيت صغير بمساحة مئة متر تسكنه عدة اسر منشطرة عن الاسرة الأم مع تخصيب مستمر وبلا هوادة، ناهيكم عن الفجوة المكانية وسوء التوزيع السكاني وتضخم أعداد الساكنين والمارين بالعاصمة وعجز شبكات التصريف الصحي عن تحمل "النتائج الوخيمة "لملايين الساكنين والوافدين، ولهذا وغيره من فساد وانفاق في غير محله وتضييع لآلاف الفرص دخلنا في وضع اقتصادي ومالي صعب وتم اللجوء الى رفع سعر صرف الدولار، لانقاذ ما يمكن انقاذه، وجاء هذا الاجراء بمثابة عملية جراحية في وقت حرج وفي ظل سوق المزايدات السياسية الذي يفتح ابوابه للاستثمار في كل شيء إلا في البناء والإعمار، وتزامنت التخفيضات بين قرار تخفيض قيمة الدينار ودعوة وزارة التخطيط بضرورة تخفيض نسبة التخصيب في مفاعلنا النووي السلمي.