الكتاب.. مدينة فاضلة

الصفحة الاخيرة 2020/12/26
...

حسب الله يحيى
الكتاب مدينة فاضلة, ليس لها مكان ثابت, ولا زمان ازليفضيلة هذه المدينة, انها تغير البشر, والبشرهم الارادة الحية التي تغير الطبيعة والانظمة والاشياء كلها .
الكتاب، هذا الكائن السحري الذي يهيمن على الافكار والعواطف والارواح, ليس ملكاً لاحد, وان كان مؤلفه احد. 
هذا الاحد هو ما يميز الفضيلة عن الرذيلة, اللامع عن الصدئ, العطر عن العفن, الشجرة المثمرة عن الشجرة التي تحولت الى حطب، من هنا نعنى ونختار مدينتنا الفاضلة التي اطلق عليها الفيلسوف الانكليزي توماس مور (1478-1532 ) (يوتوبيا).
ذلك ان هذا الكتاب / اليوتوبيا, هو المحرك الاساس لثورات الحرية في كل زمان ومكان, ولا علينا من الكتب السوداء المتطرفة التي تدق طبول العنف والموت والزيف والكذب، فالعقولالحية ترفض أن تغتسل بالمياه الراكدة التي تعفنت وباتت شراً مستطيراً، لابد من تمييزه عن سواه . 
الكتاب الاثير اذن, مدينة فاضلة, ننشد عن طريقها منطقة تضيء دروبنا في هذه الحياة العصية على العيش في ظل ازمات تحاول الامساك بنبضات قلوبنا, وتثقل فوق اوجاعنا اوجاعاً، وما دمنا نجد في مثل هذه الكتب انفسنا ؛ اذن لابد أن نميز هذا الصديق الفردوسي عن سواه من اصدقاء الصدفة او المصلحة العابرة في محطات حياتنا . 
ان المدن الفاضلة, مدن نقصدها مخيلة, ونسعى الى ايجادها حقيقة، وهو امر يماثل اختياراتنا الدقيقة للكتب الاهم التي من شأنها أن تجعل من كل خطوة نخطوها, سبيلاً الى حياة ابهى وافضل وانقى، وهذا لا يعني اختيار الكتب التي تتلاءم وتنسجم مع قناعاتنا .
ان هذه القناعات, لايمكن أن تحيا وتترسخ الا عن طريق كتب نقضية لقناعاتنا, حتى نتبين موقفنا الحقيقي بالبراهين والادلة الراسخة التي لا تضلل صاحبها .
واذ ننشد الحياة, فانما ننشد الى جانبها كتاباً هو من ثمار عقول نيرة وكفاءات وخبرات وتجارب تجاوزت الزمان والمكان لتصبح ملكاً للانسان، اينما كان وفي اي زمان،اذ ان العقل لا يسيل, ولا يضمحل، وانما هو رؤى وافكار تتراكم وتتفاعل وتحيا، لأنها جديرة بالحياة .
اننا لسنا كائنات في عزلة، الكتاب يلغي هذه العزلة ويؤسس التواصل بين البشر،  صحيح ان اجهزة التواصل الحديثة باتت تدق اجراسها في حياتنا اليومية, الا ان هذه الاجهزة مازالت وستظل ترجع الى الكتاب بوصفه الاب  الذي مهد لها وعمل على ايجادها، فالكتاب جذر المعرفة البشرية, وفاتحة التربية، وما اقامة معرض للكتاب راهناً  الا بادرة طيبة ونبيلة يفترض أن نستقبلها بوصفها خطوة جديرة بالاحترام لمن اقامها ورعاها واسهم فيها، فالكل يجتمع على مائدة الكتاب بوصفه الغذاء الصحي المنشود في عالم مسكون بالحذر،بينما الكتاب يتجاوز السكون والكسل، متجهاً الى عقل ناضج له قدرة التمييز, وانتقاء الصديق الحميم والفردوس الجميل .