التقيته صدفة في مستشفى «سبيروو» بمدينة لانسنغ/ ميشغان لدى حضوره مؤتمراً طبياً بدعوة من مجلس الجراحة العصبيَّة الأميركيَّة والجمعية الأميركيَّة للجراحة العصبية وهو عادة ما يلبي تلك الدعوات للمشاركة وعلى حسابه الخاص أحياناً للمشاركة في المؤتمرات والبحوث والمختبرات والتدريبات لإجراء عمليات في الجراحة العصبيَّة على الأحياء والجثث في مستشفيات أميركيَّة.
ويبدو أنها ليست الزيارة الوحيدة التي يأتي بها الى هنا، بل يقوم بزيارات متعددة لعدد من الجمعيات والمجالس الطبية والمختبرات في الولايات المتحدة الأميركية ليكون على اطلاع بالمستجدات والتقنيات والمهارات والمعارف الطبيَّة ليواكب التطورات المهنية في مجال اختصاصه وهو مشهودٌ له بالاجتهاد والكفاءة والخبرة وحصل على عددٍ كبيرٍ من الشهادات العلميَّة كونه طبيباً متخصصاً واستشارياً وبدرجة بروفيسور.
الدكتور أحمد عبد السلام الأطرقجي استشاري جراحة عصبية وأحد تلامذة الدكتور سعد الوتري/ جراحة عصبية، سعى الأطرقجي ليكون مستشفى العلوم العصبية باسم سعد الوتري ببغداد وهو امتنان منه لأستاذه الطبيب.
وفي أحد ممرات مستشفى سبيرو، وبعد انتهائه من المؤتمر وجدنا فسحة من الوقت للدردشة والتعرف عن كثب على عمله هنا وفي العاصمة بغداد، ودار في ذهني أهمية المقارنة الطبية في البحث والدراسة والتقصي وأهمية إجراءات الفحص والتشخيص والعلاج للمريض في كلا البلدين على الرغم من اختلافهما في معايير طبية عالمية شتى، وأشرت الى تميز أطبائنا وخبرتهم وعملهم الدؤوب في البحث عن نوافذ لاختصار الوقت للمريض لتشخيص المرض وعلاجه.
ردَّ على تساؤلي قائلاً: إنَّ «الروتين في إجراء الفحوصات في أميركا تأخذ وقتاً طويلاً وسلسلة من المراجعات لغرض التشخيص والتحويل من طبيب الأسرة الى الأخصائي والاستشاري ومن ثم العلاج، كل هذه المراجع تؤثر في المريض وتحتاج أحياناً الى أشهر عدة، في بغداد نحن كأطباء نتواجد في العيادات الاستشاريَّة في المراكز الصحيَّة والمستشفيات وحتى العيادات الشعبيَّة ونقوم بتحويل المريض بالوقت ذاته ليأخذ الرنين أو المفراس والأشعة وتحاليل الدم وغيرها ومن ثم تحويله لإجراء العملية وكل هذا لا يستغرق سوى أيام بسيطة.
المشكلة هي في السستم أو النظام الطبي والإداري والتقني وهو باعتقادي المهم في سمعة الطبيب والمشفى والعلاج وهو مختلف لدينا، نحن بحاجة الى نسق وسن قوانين وأنظمة تقود لمتغيرات تنهض بالواقع الطبي الذي ينقصه الكثير حتى لا يضطر المريض للسفر خارج العراق ليرجع لنا وهو مخدوع أحياناً ويخسر الكثير من المال وربما لا يتعافى بسبب أخطاء طبية ولقد قمنا بعلاج الكثير من المرضى العراقيين القادمين من (تركيا، الهند، إيران، لبنان، عمان، سوريا)، كل هذا بسبب انعدام ثقة المواطن بالطبيب العراقي وتقع أهمية الإعلام في هذه الإجراءات الضروريَّة».
يعاود الحديث: «في العراق لا يحتاج المريض لإجراءات طويلة سوى دفع تذكرة المستشفى التي تكلف دولارين أو أكثر، وقد تكون هناك أخطاءٌ طبية تحصل وتؤدي الى الوفاة، ما يؤدي الى غضب أهل المريض وعدم ثقتهم بالطبيب العراقي لكنْ لو نظرنا الى مرضه لعلمنا سبب الوفاة، فقد يكون السكر والضغط أو عجز القلب والأورام الخبيثة هي ما تعجل الوفاة على الرغم من نجاح العملية مثلاً، وعادة ما يكون هناك فصل عشائري لحسم النزاع ودفع (فدية) لتجنب هدر دمنا».
وأحب التطرق الى نقطة مهمة وهي أنَّ المستشفيات في بغداد والمحافظات لا تنعم بالنظافة والتطور المعماري في المباني وتحضير جميع المستلزمات والأجهزة الطبية, لذا ينبهر المريض من حسن معاملة الأطباء الأتراك او الإيرانيين والهنود وغيرهم خاصة أنَّ تلك المستشفيات جميلة ونظيفة ومزهوة بأجمل النباتات والمناظر الخلابة الجميلة ونحن نفتقد لمثل هذه العوامل».
وأكد الأطرقجي أنَّ «سبب وفاة بعض المرضى يعود الى عدم إجراء التشخيص المبكر للمريض, لأن بعض المرضى يتأخر لسببٍ ما عن المراجعة والتشخيض، لذا ينفد منه الوقت في النجاة من المرض».
يستكمل الأطرقجي الحديث ويتناول أسعار عمليات الجراحة العصبية في بلدان العالم لتصل من (10 - 30 ألف دولار) ويقول: «نحاول أنْ نرفع من كاهل المريض بالعلاج في مستشفيات العراق وبسعر لا يساوي بضع دولارات».
ويتنهد ليستذكر النظام الطبي وأهمية إصلاحه ورفع مستوى المستشفيات من حيث إعمارها ونظافتها وهيبتها وتدريب ملاكاتها المهنيَّة والطبيَّة على حد سواء للارتقاء بنظام طبي رفيع المستوى يضاهي مستويات طبية عالمية».
* هل تسببت بخطأ في عملياتك أدت الى وفاة أحد مرضاك؟
- يجيب وبحرص وبثقة: لا وجود للخطأ، لدي حياة مريض وعليَّ الانتباه لكل عصب ووريد وفقرة في جسم المريض، والأخطاء تتلاشى بحضورنا وعملنا المستمر في المستشفى، لذا نسبة الخطأ نادرة».
ماذا عن أول عملية قمت بإجرائها؟
- كانت في العام 1996 في مستشفى الجملة العصبية, بعد 4 سنوات من العمل مع د. سعد الوتري وتحت إشرافه قمت بإجراء عملية تضيق النخاع الشوكي وانزلاق الفقرات, وكنت سعيداً بها والمريض تماثل للشفاء.
* ما الذي تركه الوتري في داخلك؟
- علمني المهارة, وأنْ أحترم الفقير وأعالجه من دون مقابل، بدليل ليس لدي عمليات بالخاص فقط مجاناً.
* ماذا عن أصعب عملية واجهتها في حياتك؟
- عملية في قاع الجمجمة. ولم أكن أراها صعبة وقد أجريت من (10 - 20) عملية وتكللت بالنجاح جميعها.
* هل تصادفك معوقات في العمل وهل يؤثر هذا في العمليات الجراحية؟
- بصراحة أواجه الكثير من العقبات والمشكلات ولا أحد يحميني ويقف الى جانبي ولا أحب أنْ يؤثر ذلك في عملي ومرضاي، أحاول حلها بالطرق الصحيحة وما يمليه علي ضميري وبالتعاون مع المخلصين لمهنة الطب والاختصاص أتجاوز المحن والمصاعب.