باريس: أ ف ب
كثرة الأحداث السيئة في العام 2020 جعلت الكثيرين يطلقون عليه أسوأ عام في التاريخ، وهو بالتأكيد عام سيئ. سيذكر بشكل أساسي على أنه عام فيروس كورونا، عام الحجر المنزلي والتدهور الاقتصادي الأسوأ منذ الركود الكبير في 1929. وشهد العام 2020 أحداثاً سيئة مأساوية مثل حرائق أستراليا التي قضت على أكثر من 186 ألف كيلومتر مربع من الغابات (ما يعادل مساحة دولة بحجم سوريا)، وانفجار بيروت كأقوى انفجار غير نووي. لكن رغم هذه المصائب، هل هو فعلا أسوأ عام في التاريخ؟ بينما أدت تداعيات (كوفيد – 19) السلبية إلى تدهور اقتصادي هو الأسوأ منذ العام 1929. وبالتالي، وصف الكثيرون هذا العام أنه الأسوأ على الإطلاق.
عام 536: ظلام ومجاعة وأوبئة
في حديث للمجلة العلمية «أنتيكويتي» « Antiquity” (ما قبل التاريخ)، اعتبر الباحث في علم التاريخ مايكل ماكورميك المختص بالعصور الوسطى في جامعة هارفارد الأميركية أنَّ العام 536 هو “أحد أسوأ الفترات، إن لم يكن الأسوأ”.
ففي هذا العام، غطى ضباب مظلم كلاً من أوروبا والشرق الأوسط وأجزاءً واسعة من شرق آسيا لمدة 18 شهراً ليلاً ونهاراً. وقد كتب المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس عن هذه الفترة: “الشمس تعطي نوراً من دون بريق، مثل القمر، طيلة العام”.
أما ميخائيل السرياني (وهو أحد أهم بطاركة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العصور الوسطى) فقد وصف هذه الفترة قائلاً: “الشمس أصبحت داكنة ولا تشرق سوى 4 ساعات في اليوم، وحتى نورها كان أشبه بالظلال. وقد ظن الجميع أنَّ الشمس لن تسترجع نورها السابق”.
هذا الضباب أدى لانخفاض معدل حرارة الأرض بين 1.5 درجة إلى 2.5 درجة، وهي الفترة الأكثر بردا للأرض منذ 2300 عام.
ومع الظلمة تأتي المجاعة، إذ فقدت النباتات عنصراً أساسياً لنموها (أشعة الشمس). وقد تساقطت الثلوج في الصين بفصل الصيف وقضى على المحاصيل، فحلت مجاعة قوية قضت على نسبة كبيرة من السكان بحسب تقديرات المؤرخين، وقد ذكرت السجلات الإيرلندية في تلك الفترة انقطاع مخازين الخبز والقمح.
لاحقاً، تمكن العلماء من فك أسرار هذا الضباب الغامض. فقد استطاعوا رصد ثوران بركان قوي في بدايات ذلك العام في إيسلندا تسبب بهذا الظلام. علما أنه في 540 و547 ثار بركانان آخران تسببا بظلمات مماثلة، ولذلك يستخدم المؤرخون مصطلح “العصور المظلمة” لوصف تلك الفترة.
عام 541: «طاعون جستنيان»
وأدى غياب الشمس وما نتج عنه من برد ومجاعات إلى تدهور صحة البشر آنذاك، ما تسبب بدوره بظهور موجات من وباء الطاعون في العام 541 سميت لاحقا «طاعون جستنيان»، وأدت لوفاة بين 25 و100 مليون شخص على مدى قرنين.
يذكر أن هذه المرحلة خلفت تدهورا اقتصاديا حادا لم يتم التعافي منها بشكل كامل لغاية العام 640.
«سنة مروّعة»
تحت عنوان «هل نكسر جرة في وداع العام 2020؟»، يقول أحمد عوض في صحيفة الغد الأردنية: «لا شك أن هذا العام كان من الأعوام الصعبة جدا على البشرية، حيث أصيب بفيروس كورونا المستجد ما يقارب 80 مليون إنسان، وقاربت الوفيات الناجمة عن الإصابة أقلّ قليلا عن مليوني إنسان».
ويضيف عوض: «ولم تقتصر الأمور عند حدّ الخسائر البشرية المؤلمة، بل امتد الوضع إلى ضرب الاقتصاد العالمي بمختلف مراكزه الكبرى ومختلف الدول، حيث تراجعت معدلات النمو الاقتصادي في الغالبية العظمى من دول العالم ... ما ترتب عليه خسارة عشرات ملايين العاملين والعاملات لوظائفهم».
ويتابع الكاتب: «مرة أخرى يستحق العام 2020 أن ‹نكسر جرارًا خلفه› لأن العالم بالتأكيد سيكون أفضل بعد انحسار وباء كورونا الذي وصل ذروته وتداعياته المختلفة خلاله».
وفي صحيفة العربي الجديد اللندنية يقول سامح راشد: «لو سُئل شخص بسيط يعيش فوق أي بقعة من الكرة الأرضية عن رأيه في عام 2020، لما تردّد في تأكيد أنها أسوأ سنين حياته كلها.. تقريباً واجه كل سكان العالم أزمة طاحنة لا تقارَن بأية أزمات سابقة، وتحمّلوا معاناة شديدة لاجتياز هذا العام الثقيل».
ويضيف راشد: «الدرس الأول من ميلودراما 2020 أن ثمّة حتميات قدرية لا يمكن تحدّيها أو تطويعها لرغبات البشر وعقلياتهم، وسواء كان ذلك بفعل إرادة إلهية كما يرى المؤمنون، أو بإرادة الطبيعة والمصادفة وفقًا للعدميين، على البشر التسليم بأن ثمّة قوة فوقيَّة، إمكاناتها أعلى وسطوتها أشد من قدرات سكان الكرة الأرضية وعقولهم وإمكاناتهم».
«آمال تشوبها آلام»
يقول حسين شبكشي في صحيفة عكاظ السعودية: «كانت سنة تربية وتهذيب، سنة قلنا فيها عظم الله أجركم أكثر مما قلنا فيها ألف مبروك. سنة كان كل يوم يمر فيها ونحن بخير نعتبره هدية جديدة لنا من رب السماء. سنة أدركنا فيها تماما قيمة العلم والعلماء، وفائدتهم للبشرية جمعاء».
ويضيف الكاتب «ندخل 2021 ونحن نتحسس خطواتنا بحذر، منهكين وخائفين، ولكننا متفائلون. سنة 2020 علمتنا وربّتنا. نتمنى أن يكون العام الجديد عام احتفال بالنجاح».ـ