زيد الحلّي
لم يدر في خلدي أن تهنئتي بقدوم السنة الميلادية الجديدة، ستجعل من صديقي وزميلي الذي دامت (عشرتي) معه
اكثر من اربعين عاماً، شخصاً فاقداً لهدوئه المعروف، وتحول الى انسان مكفهرالوجه، اذ استقبل تهنئتي ببرود يشبه الاستهجان، وحين سألته عن موقفه هذا، قال بصوت مخنوق : انك تهنئني بغلق صفحة من حياتي، واستقبال
اخرى تقربني الى ما لا أريد، أليس للإنسان عمر محدد ؟
وزاد في قوله : انا الآن في عمر، أتوسل أيامه أن تطول، وساعاته ألا تنتهي، ولا اريد من يشعرني بأني قربت من نهاية مشوار الحياة وانا حي، رغم أن الموت حق!
اعادتني حالة صديقي الى خارطة جدلية الحياة
التي نعيش: في مرحلة الطفولة، نتمنى أن تسرع الحياة، لمسك خيوط الصبا والشباب، ثم نحث الخطى لبلوغ الرجولة، وبعدها تبدأ تخيلات ما بعد ذلك!، لكن العاقل هو من يفهم حقيقة البداية والنهاية في كل شيء، مثل الربح والخسارة، فالربح يثير الفرح، والخسارة تسبب الألم.
لقد نسى صديقي أن شخصين فقط يقولان الحقيقة : عدو فقد أعصابه، وصديق محب فعلا، فالحقيقة دوما مؤلمة، والبحث عنها أشد إيلاما، كما نسى صديقي، ان الغد ربما يكون افضل، رغم انه يقربه من النهاية المحتومة التي تقلقه، شريطة قدرته على صنع هذا الغد، وأن يفكر
بشكل ايجابي، ففي حياة كل منا لحظة، لا تعود الحياة بعدها كما كانت، هي سيرورة الدنيا منذ الخليقة، فعلينا الا نرتعب من الآتي، ولا نجزع منه، فهو الحقيقة الاكبر والمصير الذي لا يخطئ، والذكي من يدرك أن الحياة خداعة، فهي تسرنا دقائق،
وتقلقنا ساعات، ولا يمكن تأمين مكرها، فهي مثل أمواج البحار لا تفتئ أن تهدأ ثم تعود الى
الهيجان!
لزميلي العزيز اقول : عش يومك، ولا تفكر بالغد إلا بما هو نافع وخير، وتأكد ان هناك من يشعر بك من دون أن تنطق بكلمة، وهناك من لا يسمعك ولو تحدثت أمامه العمر كله، فلا تضيع وقتك في التفكير بماهو آت فعلاً!.