مهندس النصر ورفاقه
منصة
2021/01/03
+A
-A
بغداد: محمد اسماعيل
تجمع آلاف العراقيين أمس الأحد في الذكرى الأولى لاستشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس رفقة قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد ونددوا بالولايات المتحدة.
وتجمهر رجال ونساء وأطفال ليلة السبت ونهار أمس الأحد وهم يرتدون ملابس سوداء عند موقع الهجوم حيث أشعلوا شموعاً لتحية «شهدائهم» منددين بـ «الشيطان الأكبر»، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وتعهد النائب أحمد الأسدي، أحد أبرز قادة الحشد الشعبي قائلاً «أبو مهدي المهندس العظيم ستخرج الملايين وتتوهج صورتك في (ساحة) التحرير».
وقالت بتول النجار المؤيدة للحشد الشعبي: «نقول لأمريكا ولأعداء الإسلام (...) بأننا سنواصل المقاومة رغم إراقة الدماء».
سيرة عطرة
إنه جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، الملقب بأب مهدي المهندس. وهو من مواليد عام 1954 في البصرة القديمة. التحق بكلية الهندسة التكنولوجية في بغداد في العام 1973 وتخرج فيها عام 1977 وعمل كمهندس مدني في المنشأة العامة للحديد والصلب في البصرة. وقد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسيَّة ودرس الدكتوراه في الاختصاص نفسه.
كان المهندس قد انخرط في النشاط السياسي في مرحلة مبكرة من حياته فانضم إلى حزب الدعوة الاسلامية وهو في الدراسة الثانوية، وفي العام 1980 غادر إلى الكويت بعد تسلم صدام الحكم في العراق حيث تعرض حزب «الدعوة الإسلامية» في تلك الفترة للكثير من التضييق والاعتقالات في صفوفه. وفي الكويت مارس نشاطاً سياسياً وأمنياً معارضا لصدام ضمن ما سماه بـ»خلايا فرع حزب الدعوة» حتى منعته الحكومة الكويتية من مزاولة نشاط سياسي على أراضيها.
في آذار من عام 2003، عاد إلى العراق حيث مارس دورا في العملية السياسية. وترشح لانتخابات البرلمان العراقي عن قائمة حزب «الدعوة» بزعامة نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، وأصبح المهندس لفترة قصيرة عضواً في البرلمان العراقي عقب انتخابات عام 2005.
بعد اجتياح عصابات داعش الإرهابيَّة أجزاءً واسعة من شمال العراق وغربه، تولّى أبو مهدي المهندس جمع فصائل شيعيَّة عدة بدعم إيراني إثر إصدار نوري المالكي، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، أوامره بتعبئة الجماهير وتشكيل هيئة الحشد الشعبي، كي يقفوا بصورة أساسية بوجه التهديدات الأمنية التي مثلها «داعش» في بغداد وأطرافها.
الذكرى الأولى
في ذكرى استشهاده الأولى رفقة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، يوم 3 كانون الثاني 2020 تحدثت فئات وطنيَّة متنوعة لـ «الصباح» مجمعين على أنَّ روحه الطائرة ما زالت تسري في عزائم الوطنيين في بلاد الرافدين الى الأبد.
يرى قائد شرطة الأنبار الفريق الحقوقي هادي رزيج كسار: «تفخر الأمم بأبطالها الذي يخطون طرق الحرية بدمائهم، ونحن العراقيين كافة نصطف رهطاً وراء الشهادة، وهي تجمع الإيمان بالله مع الولاء للوطن؛ خدمة للشعب»، مواصلاً: «رحم الله الشهيد المهندس، وسيظل قدوة للأجيال».
إعلاميون
قال رئيس اتحاد الصحفيين العرب نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي: «فضلاً عما سطره أبو مهدي المهندس من ملاحم بطوليَّة في تحرير ثلثي العراق من «داعش» الإرهابي، ندرك قيمته الوطنيَّة، من خلال حضور الجمع الغفير من المشيعين، أثناء نقل جثمانه الطاهر الى النجف لدفنه في مقبرة وادي السلام».وأكد «سنبقى سائرين على خطى الأبطال في الولاء الوطني».
أضاف الزميل فراس الحمداني: «منذ انضمامه إلى حزب الدعوة الإسلامية وهو في الدراسة الثانوية، نذر أبو مهدي المهندس وجوده لله والوطن». وتابع: «لم تثنه المعتقلات عن تعبئة الطلبة في الجامعة التكنولوجية التي تخرج فيها مطلوباً لمحكمة الثورة.. إنه أنموذج الرجل الذي لا يساوم على الإيمان بالله والولاء للوطن وخدمة الشعب».
أشارت الزميلة جيهان الطائي الى أنَّ «مهدي المهندس غادر العراق عام 1980، وظل وفياً لمائه وترابه حتى تحرر العراق وعاد إليه كي يموت في الانتماء»، موضحة: «رحم الله شهداء العراق عبر تاريخه الغارق في بحور الدم».
نوه الصحفي عبد الأمير الدرويش.. رئيس مؤسسة «العراق» للثقافة: «مارس ابو مهدي المهندس عمله السياسي للعراق من دون أنْ ينحاز الى سواه، مشتغلاً باستقلالية خالصة، إذ تخلى عن قيادته في بدر وفي المجلس الأعلى وعمل كشخص مستقل في حين لم يتخل عن علاقاته مع الجميع، وهذا يدل على قناعته بأنَّ عهد المعارضة انتهى وحلَّ عهد البناء، عائداً من إيران الى العراق». مرجحاً: «أدى أدواراً بارزة في ترصين العملية السياسية، وترسيخ وجودها من خلال تشكيل الائتلاف الوطني الموحد والائتلاف الوطني العراقي ومن ثم التحالف الوطني، ليقف عندما طلبه الوطن في قيادة الحشد الشعبي وقيادة العمليات العسكرية ضد عصابات «داعش» الإرهابية وهذا سر استشهاده الذي نظل أوفياءً له مدى العمر».
ناشطون
دعا رئيس جمعية «عراقيون بلا حدود» نبيل الجمالي، الى «وجوب التواصل مع الحقائق التي أرساها أبو مهدي، والتي تسبق وقتنا الحاضر امتداداً الى انتفاضة خان النص، التي قادها في العام 1979 ضد الحكم البعثي والسلطة الجائرة». معلقاً «قاد الحشد في ساحات القتال ضد «داعش» فبعد تشكيل قوات الحشد الشعبي تم اختيار المهندس نائباً لقائد الهيئة وقد تميز بمشاركته الميدانية للقوات في المعارك».
بشأن متطلبات القتال التي أودت بأبي مهدي المهندس الى الشهادة، قال رئيس منتدى عشائر قبيلة زبيد الثقافي الامير فيصل العبدالله: «حشود جماهيرية ضخمة شاركت في مراسم تشييع المهندس، ما يدل على أنَّ الرجل قاد عمليات القتال بشجاعة وإنصاف».
أما بخصوص ما بعد استشهاده، فقال فيصل العبدالله: «في 4 كانون الثاني 2020، أُقيمت في بغداد جنازة لأبي مهدي المهندس، بحضور الآلاف من المشيعين وهم يلوحون بأعلام العراق، مرددين هتافات تعظم العراق».
وكان لرئيس رابطة المنتديات الثقافية، قول: «تشييع جنازة ابي مهدي المهندس في العتبة الكاظمية متوجهين بالجنازة الى النجف الاشرف، شهد مراسم تلقائية تليق بحب الناس لشخص الشهيد المهندس تثمن بطولاته الدينية والوطنية».
من جهته قال رئيس المركز الثقافي للدراسات السياسية د. صلاح بوشي: «حقق الشهيد ابو مهدي المهندس، إجماعاً وطنياً، بمواقفه كافة، في تحرير العراق من «داعش»، فهو وقف بمواجهة نيران «داعش» بصدره متصدياً للإرهاب، منقذاً نساء وأطفال العراق من العنف الذي أراد الإرهاب إيقاعه بالعراقيين عائداً بهم الى عهود التخلف».
عازيا استشهاده، الى أنَّ «ثمة ولاءات تنقذ شعوباً».
منار جعفر
من جانبها كشفت ابنة نائب رئيس الحشد الشعبي الشهيد أبو مهدي المهندس، أسراراً جديدة عن حياة والدها، وذلك في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده.
وقالت منار جعفر آل إبراهيم، في أول حوار لها على إحدى القنوات التلفزيونية: تابعته «الصباح» إنَّ «حياة والدها، جمال جعفر، وهو اسمه الحقيقي، كانت مليئة بالمحطات والأزمات والإنجازات، إلا أنَّ سمتها الأساسيَّة هي الثبات على طريق الحق».
وذكرت ابنة الشهيد المهندس أنَّ والدها كان يردد دائماً أنه «لا يترك قاسم سليماني بين الذئاب، خاصة بوجود السفارة الأميركيَّة، بل هي قاعدة عسكرية، ومركز علميات ومركز تخطيط للاغتيال».
وروت منار كيف وصل خبر مقتل والدها للأسرة، وقالت إنه «في تلك الليلة لم نستطع النوم، وكنت أنا أصررت على الجميع أنْ نطفئ التلفزيون ونخلد إلى النوم، لكنَّ أختي الصغيرة كانت قلقة جداً ولم تنم للصباح».
وأضافت: «جلست وانتظرت أذان الصبح، وكنت جالسة على سجادة الصلاة، فرأيت إشعارات متعددة من تطبيقات إخباريَّة على هاتفي، مكتوب عليها أبو مهدي كذا، سليماني كذا».
وتابعت: «عندما قرأت العنوان قلت لنفسي ربّما أنا مرتبكة، لأدخل إلى الخبر.. وكانت هذه الصورة الثنائيَّة المعروفة موجودة على الصفحة، وقرأت نبأ الاستشهاد وتأكدت من ذلك لأنَّ والدنا عادة يتصل بنا عند حدوث أي شيء ليطمئننا، لكنْ في هذه الليلة لم يتصل».
وأكدت منار، أنَّ والدها «كان يتوقع استشهاده في كل لحظة، كما أنَّ أسرته كانت تتوقع استشهاده خاصة خلال الأحداث الأخيرة في المنطقة والعراق تحديداً، إذ كانت السهام الأساسية موجهة على الحشد الشعبي خاصة بعد فتح معبر القائم والبوكمال».
وأوضحت أنَّ «المقرّات التي استُهدفَت أثناء الاحتجاجات كانت للحشد»، معتبرةً أنَّ «كل هذه الهيبة والمكانة التي اكتسبها العراق بعد الانتصار على عصابات داعش الإرهابية في المنطقة وهذه الاستقلاليَّة وتشكيل الدولة، تعرقل بسبب الاحتجاجات التي كان يُردد فيها نفس العبارات التي يستخدمها الأميركيون».
ولفتت منار إلى أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لحظة الإعلان عن عملية الاغتيال كان يصعب عليه التنفس، مؤكدة أنَّ «عملية الاغتيال كانت أكبر من ترامب كرئيس أميركا، ولم يكن مختلفاً عن الذي قبله، وكل السياسات الأميركية كانت متكاملة بحقّ شعوب الشرق الأوسط».
استشهاد قادة النصر
أكد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أمس الأحد، أنَّ القائد الشهيد أبو مهدي المهندس أسس وأدار وقاد الحشد الشعبي، مشيراً إلى أننا نستذكر الشهيد المهندس كل يوم ونفتقده كل ساعة.
وقال الفياض في كلمة القاها خلال الوقفة التأبينية في موقع جريمة اغتيال قادة النصر: «إننا اذ نستذكر قادة النصر فاننا نستذكر كل القيم النبيلة»، مضيفا «اننا نتشرف بالوقوف في نفس المكان الذي سالت فيه دماء قادة النصر الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس الذي تقطعت اوصالهم وسالت دمائهم قربة لله تعالى».
وأضاف، «أننا نستذكر المهندس كل يوم ونفتقده كل ساعة»، مشيرا إلى أنَّ «الحاج أبو مهدي كان مهندس الحشد الشعبي وهو الذي أسس وبنى وادار وقاد».
وأكد الفياض، أن «أول معاني الثأر للقائدين الشهيدين هو ان نخلص للراية ونجدد العهد»، مشدداً بالقول إنَّ «للحشد أمة وهذه الأمة ستكون وفية للدماء الطاهرة».
وأضاف الفياض: «أيها المحاربان الأسطوريان: نجدد لكما عهداً ووعداً صادقا أنْ نظل كما ربيتمانا عليه وكما تعلمناه منكما نسير بهامات مرفوعة لم نهن ولم نضعف، وعلى أهبة الاستعداد كما هو عهدكما بنا في كل خطب ومنازلة، في الحرب والسلام وفي كل الميادين».
ذكر أنه «ستبقى دماؤكما كابوساً يَؤُزّ مضاجع القتلة المجرمين، وسوف تسقط هذه العروش الخاوية المتغطرسة، كما أسقط دم الحسين عروش الظالمين ومن أولى بالحسين منكما».
واختتم بيانه بالقول: «نجدد العهد دوماً لمرجعيتنا الرشيدة ولشهدائنا العظماء قادة النصر ولشعبنا الصابر الأبي على السير على طريق الشوكة عينه وإننا لن نخذلهم أبداً».