حبيب السامر
عالم من ورق، رفوف، حبر، وشاشة زرقاء، فضاءات تتسع مخيلة الكاتب المثابر، عالم هادئ، ضاج بالأشياء، يتفاعل مع الحياة، تراقصه الموسيقى والأحلام، يتشبث بالمعاني، يرسم بندى الورد صباحات متجددة حالمة.
هذا العالم الجميل نعشقه حد اللوذ به، المزحوم بالكتب ورائحة أوراقها، نصحو معه، نمضي يومنا بدقائقه المتناثرة والمتشابكة في أحاديثنا، توقفاتنا، يشاركنا الكلام من بطون المؤلفات ومن حكاياتنا المنقوعة بالحياة.
العالم السحري لم ينله إلا من غرق في كلمات القصائد والروايات وسيرة الجمال، أزاح عنه ركامات الغبار والتبعثر بأصابع من حروف وكلمات تبث حياة الحياة/ ومعنى المعنى/ هدوء الهدوء/ سعادة السعادات.
في محاولة لتفسير ما يجري كل صباح، بعد أن نمارس الطقس اليومي في لحظاته الأولى، نطالع الصحف وعلى الأغلب نقلب الصفحات الثقافية ونتوقف كثيراً عند المقالات الجديدة التي تثير فضولنا حتى إكمالها، لمعرفة المرجعيات المعرفية والدخول في عوالمها، نطالع النصوص المنشورة وطريقة اخراجها، هذا من زمن طويل، حين أرسل نصا الى ثقافية الصحيفة أو المجلة، أنتظر بشغف معرفة مكان نشر النص طريقة إخراجه، اختيار اللوحة المرافقة والمعبرة، ومن كان معي في الصفحة، هكذا تسير الأمور، ألجأ الى مراقبة مكتبتي والكتب المرشحة للقراءة، وأحرص كثيرا على الكتابة بالقلم الرصاص على صفحات الكتاب، كتقليد اعتدت عليه منذ بواكير مطالعاتي.
الصباح بالنسبة لي، عالمي الأكثر حميمية مع القراءة والكتابة، المطالعة، التدوين اليومي، مراجعة ما دونته في الأيام السابقة، وكإجراء احترازي، انقل بعض ملفاتي الى أكثر من رام وهارد، ربما بسبب الضياعات المتكررة التي تحدث معي، قصائد، مقالات، وأحيانا ملف كتاب سينتهي، وربما يشترك معي الكثيرون، لكن ما عسانا أن نفعل والرأس المزحوم بالأشياء الكاملة والناقصة والأفكار القديمة والمتجددة نزعم أننا نحرص دائما على توزيع الوقت ونكون أكثر دقة في المواعيد، لكن هذه الحالة تكبر فجوتها مع مرور الوقت.
وهناك من ينتظر الليل ودقائقه الهادئة، السكون المستريب، لحظات التأمل ومحاكاة الطبيعة الصامتة، بعد يوم عمل مرهق ولذيذ، يحتاج الكاتب أن يخلو مع نفسه وأدواته في تدوين ما خطط أو يخطط له.
هل انتبه أحدكم الى يومياته وهي تضيع بين أصابعه كاندلاق الماء، أو تسرب الضوء من خلل نافذة مكسورة؟ حقا لا أجد تفسيرا لذلك، ولكن قد يعود السبب الى تقادم الزمن وضغط الحياة، لكنني أعرف تماما أن الإنسان مع تجربته يبدو أكثر ترتيبا وتوزيعا لمهام حياته، ربما اختلطت المعادلة بعض الشيء، أدرك أن الكثير من الأصدقاء الآن ينظرون الى أنفسهم يتطابق مع ما يقرؤون ويركزون على سير المقالة وحركة يومياتها، قد نجد أنفسنا مع يومياتنا المرتبة، والقلقة، والهادئة تسير بخطى تراتبية نحسد عليها من الآخرين، حقاً هي الحياة المثلى لمن يروم بساتين الجمال ويتأنى في قطف وردة المعنى ويمد الحياة بنسغ الكتابة والقراءة.
هذه صومعتنا التي نتشمم فيها رائحة الورق والحبر وعطر المؤلفين ودخان سجائرهم، ننظر الى أوراقهم وهي تتناثر على موائد الكلام، نحرص أن ندخل على رؤوس أصابعنا كي لا نثير الفوضى وسط هدوء جم، المؤلف يكتب، المؤلف يتأمل، المؤلف خارج غرفته الآن، دعوه يقطف زهرة المعنى.