قصيدة «رجل الكواكب».. تأسيس لذائقة مثلى

الصفحة الاخيرة 2021/01/04
...

تحسين عباس
 
 
كثيراً ما نقرأ أنَّ الاشتغالاتِ الإبداعيةَ من نصوصٍ أدبيةٍ وأعمالٍ فنّيةٍ، تحتاجُ الى التوغل في بنية العمل بعمق وسنتناول قصيدة « رجل الكواكب « من الحان وغناء الفنان رعد بركات المقيم في الولايات المتحدة، ونص عبد القادر صبري. وعلى الرغم من صعوبة أن تقدم قصيدة تستند الى هذه اللغة العميقة في ادانة ما اصاب الانسان من تصدعات في كرامته وانسانيته، الا ان عامل الصدق الذي اشتغل عليه بركات، جعل الاغنية نابضة بالتفرد من بين الأغاني الاستهلاكية التي نسمعها يوميا.
الفكرة: تبلورتْ فكرةُ النصِ في مغادرةِ الأرض الى كواكبَ أخرى، هرباً من الاضطهادِ والاستعبادِ، فهما يعملان على الإذلال والإهانة والتقييد والتي هي بالضدّ من (العزة والكرامة والحرية)، فنجدُ فكرةَ المُنقذِ مُتخفِّيةً بين أركان الموضوع، وهي محاولةٌ للخلاصِ بطريقةٍ حديثةٍ من طوفان الظُلم والجور .
« ورودٌ وشمسٌ وماءٌ وطين رجالاً نساءً “ ـ حقول الأماني ـ افتقاد الحياة الطبيعية ـ اضطهاد
« غثاءً تَرَاكَمَ في (نجزاكي)،وسَالَ بدجلةَ قَيئاً ودمْ” ـــ نتاج الظلم الجماعي
« صحارى الخيولِ تُخَبِّئُ سمّاً وبحراً تَجرَّع ذُلاً وهَمّا” ــــ نتاج الظلم الجماعي
« وَلَكِن رَأونِي أُلَطِّخُ وجهِي بلونِ الأَلَم “ ألطخُ وجهي ـ ألطمُ حظي ـ اضطهاد
بلون الألم ـ اشارة للدم ـ القتل والدمار ـ نتاج الظلم والاستبداد
« سأجمعُ كلَّ خيوطِ الطفولةِ كلَّ المشانِقِ كُلَّ الحبال” ـ الأماني المحنَّطة ـ القتل والدمارـ اعدامُ البراءة والعدالة ـ نتاج الظلم والاستبداد. 
« صُكوكُ الرجوعِ سأَذكرُ فيها تواريخ موتي بكل المهالكْ “ ـ مظلومية العيش ـ اضطهاد ـ نتاج الظلم والاستبداد.
« وريداً وريداً سَأجمعُ نَفسِي وأصنعُ مِنهَا بقايا شِراعْ “ ـ مركب الهروب ـ اشارة للمنقذ
« لتفتحَ درباً - لنوحٍ – جديداً فآدمُ تَاهَ بدَربِ المسالكْ “ ـــ اشارة للمنقذ .
ومن هذه العلاماتِ التي دارتْ بين أساليب الظلمِ في قتل أماني الطفولة وإزهاق الأرواح وإعدام العدالة وبينَ ابْتكار طريقةٍ جديدةٍ لإنقاذِ العالم من البطش ستخرجُ أنواعُ المعاناةِ والحزنِ والقلق، ولكن هذهِ المرة ارْتكز التنغيمُ على نغمِ العجم من درجة الــ( دو) رغم أنَّ صورَ الحزنِ والخيبة مهيمنة في النص، فقد تكونُ رؤية التنغيم جاءت لتسافرَ بهذا الكم من الأسى والظلم، فتحولهُ الى أملٍ وطمأنينة في الكوكب الجديد والبعيدِ عن كلِّ هذا الدمار، لذلك احتاجتْ الفكرةُ شيئاً من الفرح والحماسة، فاخْتارَالمنغِّمُ مقامَ العجم لذلك، لكنّهُ مُطعَّمٌ في انْتقالاتِ الحزنِ والمعاناةِمن نغمِ الصبا زمزم والنكريز والنهاوند والصبا وجمل من الكرد والبيات. 
الغناء: لم يتركْ لي المطربُ تعقيباً في هذه الزاوية لأدلي به، فقدِ اسْتثمرَ صوتَهُ بشكلٍ دقيقٍ، حيث جارى انتقالاتِهِ النغمية وأدّاها بأسلوب جيدٍ، فأداؤه التعبيري وثقافتُهُ الميّالة للتقانات الغربية ومواكبة حداثتها مكنتْهُ من النجاح. التوزيع: قد تخللَ هذا العملَ الاسلوبُ الغربي ليكون هناك خطٌّ ثانٍ مصاحب مع الغناء والموسيقى فهو خلفيات نغمية تُستخلصُ من آربيج الجملة الأمّ لتضيفَ جمالاً آخرَ في التعبير، وما أريد قولَهُ فيما كتبتْ عن أعمال رعد بركات، من حيث التأليف الغنائي والموسيقي أنَّ هذا الفنان يؤسس الى ذائقة مُثلى، أتوقعُ لها في المستقبلِ القريبِ أنْ تتصدرَ اهْتماماتِ الشبابِ العربي .