ذكريات المستقبل

الصفحة الاخيرة 2021/01/04
...

سامر المشعل 
في هكذا مفصل تاريخي ونحن نستقبل العام 2021، لا نملك الا الأمل، هو سلاح المتفائلين، بأن تجلب لنا ايامه المسرات وتحقيق الاحلام على المستوى الشخصي، وأن يعم السلام والأمان والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي على المستوى الوطني، وان تنتعش بذور الحب وتهدأ النفوس، لتبدأ لغة الحوار، بدل الرصاص في حل النزعات على المستوى الانساني.على صعيد الساحة الفنية، فقد كانت السنة الماضية استثنائية بكل ما تحمل من معنى، كانت أيامها مسورة بالقلق والخوف من الوباء العالمي، الذي لم يدع منطقة على سطح الكرة الارضية لم يغزها، حتى تأثرت عجلة الاقتصاد وتوقفت الرحلات والسفر وتعطلت الفعاليات الفنية والثقافية، وغابت الحفلات الجماهيرية وابتعد نجوم الغناء عن جمهورهم.
ارغم الناس عموما والفنان على نحو خاص، على الانزواء والبقاء في الحجر المنزلي، اتقاء من الاصابة، وأصبح الشعار الموحد في كل انحاء العالم هو التباعد الاجتماعي، هذا اعاد الى الاذهان مقولة المفكر الفرنسي جان بول سارتر “ الجحيم هم الاخرون”.
تجسدت هذه المقولة بحذافيرها في العام المنصرم 2020 بأن “ الاخر “ هو المصدر الناقل للوباء، وبالتالي أصبح النجاة بالابتعاد عن الآخر.
اسقطت “ كورونا “ قناع اوهام العظمة، التي تروج لها بعض المؤسسات الهوليودية “ السوبرمان “ الرجل الذي يمتلك المقدرة الخارقة في الحروب أو استيطان الكواكب الاخرى.. وغيرها.شعور بالضعف والخوف انتاب البشرية وجعلها تقبع في عقر دارها لا تغادر امتارها القليلة، من دون أن تلامس الايدي أو السطوح. ربما تعلمت البشرية مرغمة ان تراجع ذاتها في العام الماضي، ونأمل أن تصحح مسارها في هذا العام، على الرغم من أني أشك في ذلك.أثار اهتمامي عنوان لمعرض تشكيلي هو “ ذكريات المستقبل “ وهي مشاكسة وجودية في سبر اغوار المستقبل المبهم، عسى أن تسهم الخلوة الاجبارية، التي فرضتها كورونا بانتاج طريقة حياة أكثر جمالا وطراوة ونقاء وانسانية.
فعلى الرغم من التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي وتعددها، وهيمنة ما يسمى بالعالم الافتراضي على طريقة تفكير وسلوك الناس، الا أن الانسان يشعر بضحالته وهشاشته ازاء الواقع.فما عاد الشاعر قادرا على التنبؤ بالمستقبل أو أن يلهب حماسة الجماهير بقصيدة، أو يجسد الرسام صورة المستقبل بلوحة زيتية، انما وضع الرسام المتلقي بحيرة وارتباك أكبر وهو يتأمل كوابيسه وكبوتاته على سطح اللوحة، ولم يعد المطرب بمقدوره أن يحرك الا منطقة الوسط من الجسم في غنائه، بمفردات تتسم بالسطحية والبذاءة والإثارة الجنسية، وكيف للمسرحي أن يثور على الواقع، والمسرح يخلو من النظارة، ومع كل هذه التساؤلات التي تبدو متشائمة، الا ان الامل ما زال عزاؤنا أن يتعقل العالم وتكون سنة 2021 أكثر اشراقا من التي مضت.