المرايا وانعكاساتها قـــراءة فـي (تاركــو الأثــر)

ثقافة 2021/01/04
...

 كاظم غيلان  

يأخذنا الناقد السينمائي والصحفي علاء المفرجي إلى حيث فضاءات الحوار المعرفي عبر كتابه الجديد (تاركو الأثر) الصادر عن دار المدى بواقع (240) صفحة من القطع الوسط، تصدرته مقدمة مهمة للكاتب سهيل سامي نادر.
ما يميز كتاب المفرجي هذا مهارته الصحفية في الحوار الثقافي كواحد من فنون المهنة واشتراطاتها المعرفية على المستوى الصحفي.
الحوارات التي أجراها المؤلف مع قامات إبداعية امتازت بثراء تجاربها تبدأ بـ (مظفر النواب) شاعرا لتنتهي بـ (احمد المختار) عازفا، وتوزعت بينهما حوارات أخرى مع تجارب أخرى خاضت أجواء (الرواية، المسرح، العمارة، الشعر.. الخ).
اعتمد المفرجي عبر حواراته جميعها على معينه، أو لنقل رصيده الثقافي وسبره أغوار الشخصيات التي حاورها من حيث سيرتها الذاتية وما أنجزته ضمن حقولها الابداعية، لذا جاءت الأجوبة لتمنحنا كشوفات نادرة ووقائع حياتية أكملت استدارة الضوء في دوائر لربما كانت مجهولة بالنسبة للقارئ، وبهذا أعطى المؤلف ما يميز مهارته الصحفية، فالأسئلة التي باغت بها معظم شخصياته نفضت الغبار عن السائد من رتابة الحوارات الصحفية التي زخرت بها العديد من صحفنا ودورياتنا الثقافية بشكل خاص، ففي العديد من حوارات المفرجي نجد الأسئلة وليدة أجوبة محاوريه، وبهذا أبعدها عن الجاهزية والتوقعات التي تبعث الرتابة والملل، ليمنح الحوار عامل الإثارة الذي يشترطه كفن صحفي غاية في الأهمية، كما جاء في حواره مع الروائي نجم والي على سبيل المثال ص 131.
من مميزات الكتاب التي تجدر الإشارة إليها ذلك الخوض في خصوصيات تجربة الثقافة العراقية، وما تعرضت له من تصدع وما ألحق بها من تسميات ومصطلحات مقيتة كـ (أدب الداخل وأدب الخارج وثقافة المنفى)، ولربما سعت لابتكارها مؤسسات بذلت كل ما بوسعها لشرذمة وحدة تجربتنا الثقافية العراقية بمفهومها الوطني، وكل ذلك ما كان ليحصل لولا الاوضاع السياسية الشاذة التي عصفت بالعراق والتي لم تكن ثقافته بمنأى عنها حتى الراهن من تاريخنا، ولعلنا هنا نقف إلى جانب ما دعا اليه الكاتب سهيل سامي نادر في مقدمته إذ يؤشر بوضوح ذلك بقوله “سنحتاج دائما إلى تنشيط ذاكرة فاعلة تجمع المادة الاصلية الخاصة بذلك الفضاء، نسترجع ما ضاع منها، ملكيتها، خالقة المحفزات لجيل جديد مدهش، كسر حاجز الخوف، وتجاوز العقد الطائفية وانقساماتها المخربة” ص11.
حوارات المفرجي مع شخصياته عبر هذا الكتاب كانت بمثابة الكشف عن انعكاسات المرايا ونبش زواياها وازاحة العتمة والغموض اللذين يعششان في أذهاننا، فالحوارات اتسمت باستنطاق التجارب معرفيا، وبهذا يبرهن المؤلف بوصفه محاورا على إحاطته بأعماق شخصياته وما ترسَّب فيها من هموم وتطلعات ومواجع، لاسيما أن معظمها تذوق مرارة الغربة ومستحقاتها. إلّا أن ذلك كله لا يؤشر حالة انفصال أو انقطاع عن الجذور البيئية لتلك التجارب التي حاورها المفرجي إذ اعتمدت منجزاتها المكان والوقائع - عراقيا حتى استدعتها لمنافيها، ومن هنا يتشكل الرد الابداعي جماليا على تلك المصطلحات الشاذة  التي ابتدعتها مؤسسات أرادت تشظية التجربة الثقافية، فالإبداع يأخذ علوه بترفع عن قشور الهامش السياسي متمسكا بمتانة الجذر والصفاء التام لكل ما هو إنساني نبيل .
 -تاركو الأكثر- دروس في فن الحوار الصحفي الذي نطمح له ثقافيا لكي يكون سبيلا لمعرفة الأجيال الجديدة بعلاقة الأثر وأهمية من تركوه.