نجاة الصغيرة والخوف من الوسواس

الصفحة الاخيرة 2019/01/28
...

عبد الجبار العتابي 
اسمها نجاة حسني، ولدت في الحادي عشر من آب العام 1941، اشتهرت باسم نجاة الصغيرة لانها كانت صغيرة عندما بدأت الغناء، ولإن مطربة معروفة اسمها (نجاة) كانت تغني في ذلك الوقت، من اسرار صاحبة (صوت الحرير) الناعم الدافئ، تعالوا نقرأ شيئا :
عاشت نجاة الصغيرة بائسة وتحملت مسؤولية الانفاق على اسرتها منذ ان كانت في الخامسة من عمرها عندما كان والدها يصطحبها للغناء في الافراح بصوتها الجميل محققا من ورائها ارباحا كثيرة اعانته على تربية نجاة واشقائها الثمانية، وكان والدها يسقيها (الخل) ويحرمها من تناول الطعام بكميات كافية حتى تظل نحيلة الجسد لتستعطف كل من يسمع صوتها، وعندما كبرت نجاة واصبحت نجمة ظلت متأثرة بما تعرضت له في الطفولة فأصبحت منعزلة، انطوائية، تحب الهدوء وتكره الاجتماعيات، وكانت لا ترحب بأية زيارة بغير موعد وتنظر بنفسها من (العين السحرية) الموجودة في باب شقتها، واذا وجدت شخصا لا ترغب في لقائه لا تفتح الباب، كما انها ترد على التلفونات بنفسها ولكن تنكر وجودها باستمرار ويقال في وصفها من باب المبالغة (انها لا تفتح نافذة في شقتها) حتى لا يراها احد لانها لاتحب ان تمتد إليها عيون الاخرين!!
تلك السرية التي فرضتها نجاة على نفسها دائما امتدت الى اعمالها الفنية، التي كانت لا تتحدث عنها مع اقرب المقربين اليها، الا بعد اكتمالها، لانها كانت تعدل في اللحن او الاداء، ربما في اللحظات الاخيرة قبل الغناء، كما كانت تحب ان تسمع اولا، بعد الانتهاء من تسجيل الاغاني اكثر من مرة قبل ان يسمعها الاخرون، واذا حدث ما يزعجها في اية حفلة غنائية تقوم باحيائها تنسحب فورا، وهذا ما حدث بالفعل عندما دعتها جمعية كتاب ونقاد السينما بالاسكندرية لاحياء احدى الحفلات فغنت (الوصلة) الاولى، لكن نظام (المايكروفونات) لم يعجبها وكذلك طريقة التصوير، فظنت ان هناك مؤامرة عليها فانسحبت من الحفل ولم تكمله واغضبت مخرج الحفل انذاك نور الدمرداش والمسؤولين بالجمعية.
فيما كانت الوسوسة الفنية تجبر نجاة على محاسبة نفسها الف مرة قبل ان يحاسبها الناس، لانها كانت تلهث باستمرار عن الصدق الفني وتقول (الجمهور هو الرصيد العظيم الذي اعيش به وله ومن شدة حرصي على الاتقان والاجادة في اعمالي الفنية يفهم البعض ذلك خطأ نوعا من الوسوسة)، وكان الوسواس القهري يسيطر على نجاة في تعاملاتها مع الاخرين خاصة الصحفيين، لذلك كانت ترفض باستمرار اللقاءات الصحفية والتلفزيونية، لانها كانت (موسوسة) من ان يستدرجها الصحفي او مقدم البرنامج التلفزيوني لتقول تصريحات، ربما يغضب منها الاخرون، مما كان يدفعها الى الصمت التام.