أحلام علي الوردي.. فلسفياً وسسيولوجياً وشعبياً

فلكلور 2021/01/06
...

  باسم عبد الحميد حمودي
الأحلامُ جزء من الموروث الشعبي الذي تقف عنده مجاميع من علماء النفس والمحللين والمفسرين منذ القدم، أشهر هؤلاء سيدنا يوسف «ع» الذي فسر لسجينين كانا معه حلميهما في النص الذي قدمه لنا القرآن الكريم، وقد تحقق ما فسره يوسف الصديق. من مفسري الأحلام المعروفين ابن سيرين والزوزني وسواهما في العهود السالفة، لكننا هنا نقف عند أحلام حديثة لنرى فيها الأعاجيب من الأحداث.
علي الوردي والأحلام
الدكتورعلي الوردي له كتابٌ تحليليٌّ مهمٌ في الأحلام صدر في العام 1960 بعنوان (الأحلام بين العلم والعقيدة) تناول فيه موضوع الحلم من وجهات نظر متعددة في فهم طبيعة الحلم فلسفياً وسسيولوجياً وشعبياً، ودرسه بوصفه تجربة سايكولوجيَّة باعتبار نظريات فرويد وأدلر ويونغ.
وقد تشرفت بالدرس على يد هذا العالم لسنتين في كلية التربية، فوجدته يعدُّ الحلم تجربة نفسيَّة لا شعوريَّة أحياناً تتصل بدوافع الفرد وسلوكه العام، لكنَّ تفسير الحلم يختلف من شخصيَّة الى أخرى ومن بيئة اجتماعية الى سواها.
 
صناعة الأحلام قصصاً
كثيرة هي أخبار الأحلام والحالمين، وبعضنا ينام لعلَّ الله يرزقه حلماً يرضيه بعد أنْ (ضاج) من واقعه, بعض الكتاب والشعراء يهتدون بالأحلام لكتابة بعض نصوصهم الغريبة, ومن هؤلاء القاص وليم سدني بورتر الشهير باسمه المستعار وهو (أو.هنري)، فقد كتب عدة قصص مرعبة من (وقائع) أحلامه!.
هذه الوقائع التي عاشها السيد أو هنري، عاشها حقيقة الكثير من الناس في أرجاء الدنيا وهم يفكرون مشدوهين في غرابة تحقيق الحلم بالحقيقة التي ظهرت أمامهم ناصعة، وللقارئ الكريم بعض هذه الأحلام وحكاياتها الغريبة.
 
(ميرنا) المصابة بداء الحب!
عندما قامت الحرب العالمية الأولى رحل الجندي البولندي الشاب ستانسلاوس (الذي سنسميه ستان) الى جبهة الحرب تاركاً خطيبته (ميرنا) بأمل العودة وتحقيق الزواج المنشود.
اختفى (ستان) مع ملايين الجنود الذين أكلتهم الحرب وضاع أثره ولكن (ميرنا) كانت تراه دوماً في أحلامها!
في تشرين الأول من العام 1918 رأته يتلمس طريقه في نفق مظلم وهو ينتحب بين الصخور, وقد تكرر هذا الحلم مراراً، في منتصف العام 1919 سمعت صوته يطلب النجدة في مكانٍ تحت كومة أشجار، وتكرر هذا الحلم مراراً.
أخبرت ميرنا أمها وكاهن القرية بما ترى من دون أنْ تستطع تحقيق شيء، ونتيجة لإلحاحها قادتها أمها الى مقر شرطة مدينة (شيرناك) فاعتبروا أحلامها مجرد كوابيس، إذ فقد آلاف الشباب في تلك الحرب.
عاد الحلم بخطيبها ستان يتكرر وتتضح صورة قلعة ذات برج منهار يعيش ستان تحت أقبيتها ويتلمس طريقه صارخاً باكياً، وهنا قررت ميرنا السفر جوالة بين القرى والمدن لتصل الى القلعة التي تراها في الحلم.
كان الناس في القرى التي وصلتها يشفقون عليها وهم يستضيفونها ويستمعون إليها وهم يظنون أنها مصابة بلوثة، لكنَّ الحلم كان يتكرر، ستان يظهر كل ليلة وهو يطلب النجدة، وميرنا تتحرك محمومة بين القرى حتى وصلت في 25 نيسان 1920 الى قمة تل في قرية زولتا جنوب شرقي بولندا فرأت القلعة كما في حلمها الغريب, وبدأت تصرخ (أنه هناك.. أنه هناك).
كانت تتحرك والدموع تأخذها بين الناس وتشير الى القلعة التي تكررت لها رؤيتها في الحلم. قال ضابط القرية إنها مصابة بداء الحب, لكنَّ الناس في القرية الذين استمعوا الى قصتها رافقوها الى القلعة المهدمة بين مصدق ومكذب، بدؤوا يرفعون أحجار القلعة عن أماكنها وهم يبحثون عن ثغرة في الأرض، بعضهم ترك العمل ضجراً, لكنَّ أكثر الشباب أسهم مع ميرنا وليومين متتاليين في رفع الأنقاض, حتى كشفوا عن فتحة في الأرض ينطلق منها صوتٌ بعيد، أسرعوا في الحفر ووسعوا الفتحة وميرنا تتقدمهم حتى ازداد الصوت قوة, ووجدوه حياً.
أخرج شباب القرية ستان حياً ممزق الثياب، وأخذوه حيث يرتاح وميرنا تصرخ (تحقق حلمي).
في اليوم التالي أخبر الجندي (ستانسسلاوس) سكان القرية وميرنا أنه خلال الحرب زار هذه القلعة متجولاً فسقطت قذيفة مدفع هدمت برج القلعة ودفنته في قبوها، أصيب ببعض الجروح البسيطة لكنه وجد داخل القبو أقمشة قليلة وفئراناً كثيرة ودناناً من النبيذ والأجبان المعتقة القديمة, وعاش أيامه الصعبة وحيداً خائفاً ولكنه لا يشكو من عطش ولا جوع.
عادت ميرنا بخطيبها الى قريتها ليحتفي به سكانها ويعقد قرانه على حبيبته التي سعت الى إنقاذه بعد ذلك الحلم الغريب.
 
عالمنا المجهول.. حلمياً
هذا الحلم رواه الكاتب فرانك أدواردز في برنامجه الإذاعي الأسبوعي الذي كان يقدمه من إذاعة (صوت أمريكا) بعنوان (أغرب من الخيال)، وقد جمع هذا الكاتب عشرات من هذه الظواهر الحلميَّة الغريبة, وأصدرها في كتاب بعنوان (عالمنا المجهول) قام بتعريبه الكاتب العراقي ستار زيارة عام 1999.
 
حلم صحفي بجزيرة كاراكاتوا
في جريدة (بوسطن غلوب) وفي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل استيقظ محرر الأخبار الخارجية السيد (بايرون سوم) الخافر من نومه المضطرب نتيجة حلم رآه في نومه، كان الحلم غريباً، أسرع سوم بتدوينه كمسودة لمقالة في الخيال العلمي، لعله ينشرها ذات يوم. حرص سوم على تدوين كل التفاصيل بلغته الصحفيَّة الرشيقة، وملخصها انفجار بركان في جزيرة نائية قبالة أستراليا وكيف تشظت هذه الجزيرة وغرقت بسكانها وبناياتها المتواضعة في البحر.. كتب سوم اسم الجزيرة التي رآها (برالاب) وصور سكانها وهم محاصرون بنار التفجير وقد اجتاحت المياه جزيرتهم المجابهة لجزيرة (جاوة) وكيف أخذتهم النيران والمياه الى مصيرهم السيئ.
كان حلماً سيئاً حقاً أضجر السيد بايرون سوم الذي كان متعباً فترك الورقة على منضدته وخرج الى داره لينام, فقد اعتاد الحضور الى الجريدة مساءً ليتابع آخر الأخبار.
في الصباح تسلم سكرتير التحرير الخبر الذي كتبه المحرر سوم ووضعه على عمودين في الصفحة الأولى كسبقٍ صحفي، وأرسل تقريراً عنه الى وكالة أسوشيتدبريس التي بثته الى كل الصحف التي تتعامل معها. انهالت الأسئلة على الجريدة لمعرفة التفاصيل، بينما غاب المحرر عن الجريدة مدركاً فظاعة الكذبة التي كتبها نتيجة حلمه. حينما استطاعت الجريدة الإمساك بسوم, اعترف متلجلجاً أنَّ الأمر خيال في خيال وأنَّ ما كتبه لم يكن للنشر.
قررت إدارة بوسطن غلوب طرد المحرر الذي غادرها لاعناً حظه والاعتذار للقراء وللوكالة الشهيرة التي فوجئت بغياب مصداقيَّة الجريدة واستعدت للاعتذار ايضاً.
بعد ساعات بدأت الأخبار تتوالى عن الانفجار الذي حدث لجزيرة كرا كاتوا المواجهة لاستراليا وعن تشظي الجزيرة وغرقها مع أهلها المساكين نتيجة المياه التي غطتها 
والبراكين. 
أدركت (بوسطن غلوب) أنها كانت السابقة الى نشر واحدة من أهم القصص الإخبارية في شهر آب 1883، ونشرت الخبر مرة أخرى وقامت بتوسيع تفاصيله على يد المحرر السيد بايرون سوم الذي نشرت صورته على الصفحة الأولى، كان الفارق الوحيد أنَّ سوم كان قد سمى الجزيرة المنكوبة (برا لاب) وكان اسمها الرسمي كراكاتوا.
هنا أرسلت جمعية المؤرخين الألمان الى المحرر خارطة قديمة للجزيرة وقد كان اسمها المحلي قبيل 150 عاماً جزيرة بارا لاب.. فتأمل!
 
تفسيرات الجدات
تقول جداتنا بوجود تفاسير خاصة للأحلام، ويقول الأولون بصحة هذه الأحلام التي يوردها البوني والسيوطي وأبو معشر الفلكي، ونحن هنا نورد بعضها للطرافة ومن ذلك:
- إذا ركبت الفتاة بعيراً في الحلم كان زواجها سريعاً
- من رأى بقرة منعته من حلبها صارت أمرأته ناشزاً!
- ومن رأى خادمه يحلب بقرته فسيدركه الموت ويتزوج الخادم امرأته.
- الحمامة في الحلم امرأة صالحة, ووجود بيض الحمام حلمياً يدلُّ على رزق العائلة بالبنات.
- من رأى حية في الحلم أصابه الخير.
- يعتقد أنَّ من ذبح دجاجة في حلمه تزوج فتاة عذراء.
- وتعتقد جداتنا أنَّ من يرى مجموعة من اللقالق مجتمعات في الحلم فذاك يعني اجتماع مجموعة من اللصوص.. والله أعلم.