{الديموقراطيَّة تحت الحصار}.. العالم يدين {انقلاب} ترامب

منصة 2021/01/08
...

   باريس: أ ف ب
تصدرت الفوضى التي أثارها أنصار دونالد ترامب في مبنى الكابيتول الصفحات الأولى للصحف في أنحاء العالم مع عناوين مثل «ترامب يشعل النار في واشنطن» و »الديموقراطية تحت الحصار»  و»انقلاب الجنون».
وفي غالبيتها، ألقت الصحافة العالمية اللوم بشكل مباشر على الرئيس المنتهية ولايته، متهمة إياه بالتشجيع على العنف.
اقتحام قلب الديمقراطية
في بريطانيا، شكّل مقال «أنصار ترامب يقتحمون قلب الديموقراطية الأميركية» العنوان الرئيس في صحيفة «ذي تايمز»، واصفا كيف أنَّ «الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء وضعوا الأقنعة الواقية من الغاز واحتموا تحت الطاولات وكيف اختبأ الموظفون في المكاتب».
وكتبت صحيفة «ذي ديلي تلغراف»، «الديموقراطية تحت الحصار»، مشيرة إلى «مشاهد غير مسبوقة من العنف والفوضى» في واشنطن حيث اقتحمت «جحافل من أنصار ترامب» مبنى الكابيتول.
أما صحيفة «ذي غارديان»، فتحدثت عن «التحدي الأكثر دراماتيكية للنظام الديموقراطي الأميركي منذ الحرب الأهلية».
 
«يوم العار»
كانت كلمتا «فوضى» و»عار» من أكثر الكلمات التي ظهرت في الصحف الأوروبية الرئيسية.
وكانت افتتاحية «دي فيلت» التي كتبها الصحافي كليمنس فيرغن بعنوان «يوم العار للديموقراطية الأميركية».
وجاء فيها أنَّ «الولايات المتحدة شهدت أول محاولة انقلاب عنيف» وأن «الرئيس وأكاذيبه وحزباً جمهورياً ضعيفاً، مسؤولون سياسياً».
كما تحدثت صحيفة «زودوتشه تسايتونغ» في مقال عنوانه «انقلاب الجنون» عن «عار واشنطن»، واعتبرت صحيفة «إلباييس» الإسبانية أن ترامب «شجع على الفوضى».
وذهبت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية إلى أبعد من ذلك، إذ قارنت الأحداث في واشنطن بصعود الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني إلى السلطة في عشرينيات القرن الماضي.
وبدأ المقال الذي كتبه ماريو بلاتيرو «أميركا، كل أميركا، شاهدت مرعوبة ما يشابه (الزحف إلى روما) في واشنطن مباشرة على شاشات التلفزيون، غزو مبنى الكابيتول والهجوم على قدسية الديموقراطية نفسها».
أما صحيفة «لا كورييري ديلا سيرا» فوصفت شخصية «الأولاد الفخورين» (براود بويز) الداعمين لترامب قائلة «هم متطرفون يمينيون، لكن أيضا، نساء وشباب. استدعاهم ترامب مباشرة. وحاول بعد ذلك تخفيف التوتر (...) قائلا «نحن حزب القانون والنظام». لكن بعد فوات الأوان».
وعنونت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية على صفحتها الأولى «ترامب: ستراتيجية الفوضى»، مع مقال في صفحاتها الداخلية بعنوان «ترامب يشعل النار في واشنطن».
وجاء فيه «اعتداء دونالد ترامب على الديموقراطية الأميركية أصبح ملموساً ورمزياً يوم الأربعاء عندما تمكن أنصاره مدفوعين بغضب شديد جراء خطابه، من اقتحام مبنى الكابيتول».
 
«نرجسية»
في صحيفة «لو فيغارو»، كتب الصحافي فيليب جيلي «كان من الممكن أن يغادر دونالد ترامب مع انطباع أنه «رئيس قوي للشعب» بسجل متنازع عليه، لكن مهم جداً. وبدلاً من ذلك، سيطرت نرجسيته عليه. تعامل بقسوة مع المؤسسات وداس على الديموقراطية وقسم معسكره وألقى رئاسته في هوة».
وجاء في الصحيفة البرازيلية «أو غلوبو»، «هبطت الولايات المتحدة إلى مستوى دول أميركا اللاتينية».
وكتبت إليان كانتانهيدي في صحيفة «أو إستادو دي ساو باولو» البرازيلية أيضا «كان الهدف مبنى الكابيتول، وليس مركز التجارة العالمي (توين تاور) لكن كان هذا أيضا عملا إرهابيا». وأضافت «الإرهاب الداخلي الذي طال الكابيتول ألسنة لهب أشعلها الرئيس دونالد ترامب نفسه».
وكتبت صحيفة «الأهرام» المصرية أن المشاهد أظهرت «تضحية بالديموقراطية الأميركية وموت حريتها وانهيار القيم التي حاولت بلا هوادة تصديرها إلى أنحاء العالم واستخدامها كذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى».
 
صدمة بين الأميركيين
أثارت صور اقتحام أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكابيتول، صدمة بين العديد من الأميركيين وفي العالم، نتيجة الفوضى غير المسبوقة وأعمال العنف التي رافقتها ضد أبرز رموز الديموقراطية الأميركية.
وستطبع الصور التي التقطت من داخل مبنى الكابيتول العريق الذي يضم الكونغرس الأميركي في واشنطن التاري. فقد اجتاز حشد من المتظاهرين الذين كانوا يلوحون برايات بعضها كتب عليه «ترامب رئيسي»، الحواجز الأمنية أمام الكابيتول واقتحموا المبنى وخربوا مكاتب ودخلوا إلى قاعات والتقطوا صورا لهم فيها، مرددين أن الانتخابات الرئاسية مزورة.
وانتشرت صورة لأحد أنصار ترامب يرتدي سروال جينز وقبعة بيسبول وهو جالس ورجله مرفوعة على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي حيث تُركت رسالة تنطوي على تهديد، في وقت تسلق متظاهرون آخرون منصات أقيمت لحفل تنصيب بايدن في كانون الثاني ، ورفعوا لافتة كتب عليها «نحن الشعب سنخضع دي.سي (واشنطن). لدينا القدرة على ذلك».
ووصف بايدن أحداث العنف بأنها «تمرد»، وطالب ترامب بأن يتحدث على التلفزيون الوطني ويطلب من أنصاره التراجع. وقال بايدن في ولاية ديلاوير، مسقط رأسه، «نظامنا الديموقراطي يتعرض لهجوم غير مسبوق». وأضاف «هذا ليس اعتراضا. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن».
وبعد وقت قصير على تصريحات بايدن، نشر ترامب تسجيلا مصورا دعا فيه أنصاره للمغادرة لكنه كرر اتهاماته التي لا تستند إلى أدلة عن تزوير الانتخابات. وقال «يجب أن يحل السلام. لذا اذهبوا إلى بيوتكم. نحن نحبكم، أنتم مميزون جدا».
وقالت صونيا فيتزجيرالد البالغة 34 عاما المناصرة لترامب من ولاية فلوريدا على درج الكابيتول «ستسمعون عن الأمر في كتب التاريخ».
وفي إجراء غير مسبوق، حجبت منصات تواصل اجتماعي تسجيل ترامب معتبرة أنه يفاقم العنف. وعلق موقع «تويتر» حسابه، محذرا الرئيس من حظر دائم في حال عدم التزمه بقواعد النزاهة المدنية.
 
 «دوامة قاتلة»
وتزامنت الفوضى في الكابيتول مع فوز الديموقراطيين بمقعدين في مجلس الشيوخ في انتخابات فرعية بولاية جورجيا، ما يكرس هيمنتهم على الكونغرس ويمهد الطريق أمام بايدن لتمرير تشريعات بدءا بمساعدات إغاثة في أزمة (كوفيد – 19).
ويقول المؤرخون إنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتحام الكونغرس منذ عام 1814 عندما أحرقه البريطانيون خلال حرب 1812.
ولأكثر من عقدين، جرت الجلسات المشتركة للكونغرس بهدوء، وهي إجراء شكلي تتم فيه المصادقة رسميا على الفائز في الانتخابات، لكن ترامب حض أعضاء الحزب الجمهوري على الاعتراض على النتيجة.
ورفض الكونغرس الاعتراض الأول على فوز بايدن في أريزونا. كما رفض اعتراضا من الحزب الجمهوري على فوز بايدن في ولاية بنسلفانيا. واعترض 121 نائبا من الحزب الجمهوري على النتيجة، بينما تراجع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن معارضتهم السابقة بسبب أحداث الكابيتول.
وقالت السناتور كيلي لوفلر التي خسرت الانتخابات الفرعية الأخيرة في جورجيا، «الأحداث التي حصلت اليوم أجبرتني على إعادة النظر. ولا أستطيع الآن بضمير حي أن أعترض على المصادقة».
وتراجع أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ عن الاعتراض على فوز بايدن في جورجيا وميشيغن.
وسعى زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل الذي لطالما كانت مواقفه متناسقة مع ترامب خلال رئاسته، إلى منع الاعتراضات، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات ليست حتى متقاربة.
وقال قبل وقت قصير على أعمال العنف «الناخبون والمحاكم والولايات قالت كلمتها. إذا قمنا بنقضها فسنلحق الضرر بجمهوريتنا إلى الأبد».
وأضاف «في حال أُبطلت نتيجة الانتخابات استنادا إلى مجرد ادعاءات من الخاسرين سيدخل نظامنا الديموقراطي في دوامة قاتلة».
لكن السناتور جوش هولي الذي قاد جهود الاعتراض على المصادقة وينظر إليه كمرشح جمهوري مستقبلي طامح للرئاسة، تمسك بموقفه حتى بعد اقتحام الكابيتول. وقال السناتور البالغ 41 عاما «التغيير لا يتحقق بالعنف»، مشددا على أنه يريد أن يعرض «عملية قانونية» تتيح لمؤيدي ترامب النظر في ادعاءاتهم بحصول تزوير في الانتخابات.
«عار»
أما السناتور ميت رومني، أحد أكبر منتقدي ترامب في الحزب الجهوري، فقال إن أفضل طريقة لاحترام الناخبين هي «بقول الحقيقة لهم». وقال «اولئك الذين يستمرون في دعم هذه المناورة الخطيرة ... سيُعتبرون إلى الأبد متواطئين في هجوم غير مسبوق على نظامنا الديموقراطي».
واعتبر زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، المرجح أن يصبح زعيم الأكثرية في المجلس بعد انتخابات الثلاثاء، أعمال العنف بمثابة «محاولة انقلاب». وقال إنها ستدخل التاريخ الأميركي على غرار الهجوم الياباني على بيرل هاربور.
وأضاف «هذا الحشد في جزء كبير منه صنيعة الرئيس ترامب، حرضتهم كلماته وأكاذيبه»، مضيفا بأن ترامب سيلحق به «عار دائم».
 
واعتبر الرئيس السابق باراك اوباما أعمال العنف «مخزية» لكنها ليست «مفاجئة».
وأضاف «سنخدع أنفسنا إذا قلنا إنّ ما حدث كان مفاجأة تامّة»، ملقياً باللوم على قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية لهم لأنّهم «غالباً ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة» أن بايدن حقّق فوزاً كبيراً في الانتخابات.
وشنّ الرئيس الأسبق الجمهوري جورج دبليو بوش هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين الذين أجّجوا حالة «التمرّد» التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تليق بـ»جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديموقراطية».
في العالم، عبر حلفاء الولايات المتحدة عن صدمتهم. وندد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بما وصفه «مشاهد مخزية»، بينما حض وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنصار ترامب على «التوقف عن دوس الديموقراطية».
في باريس، اعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن ما حصل في واشنطن «ليس أميركيا بالتأكيد».
أما خصوم واشنطن، فاستغلوا الظرف لانتقادها مجددا. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الديموقراطية الغربية «هشة وضعيفة»، محذرا من صعود «الشعبوية» بعد الاضطرابات التي أثارها أنصار ترامب في مبنى الكابيتول.
 
دعوات لتنحية ترامب
ولم يتبق سوى أسبوعين لترامب في البيت الابيض. ومع تراجع نشاطاته العامة منذ أسابيع وتقارير عن عدم قدرته على التعاطي مع الأمر الواقع، ذكرت وسائل إعلام أن الحكومة تبحث بتكتم مسألة عزله كونه غير أهل للمنصب، بموجب التعديل ال25 للدستور. وكتب جميع الأعضاء الديموقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس النواب في رسالة إلى نائب الرئيس مايك بنس أن «استعداد الرئيس ترامب للتحريض على العنف والاضطرابات الاجتماعية لإلغاء نتائج الانتخابات يتطابق مع هذا المعيار».
لكن بنس الذي بقي مخلصا لترامب طيلة أربع سنوات وصامتا خلال الانتخابات، قال في بيان في اللحظة الأخيرة إنه لن يفعل ذلك.