المدير خنياب!

الصفحة الاخيرة 2021/01/08
...

حسن العاني 
كان استاذي في الثقافة والفلسفة والجامعة، الصديق الراحل مدني صالح، يميل الى ابتداع مصطلحات او تعابير فنطازية، منحت أسلوبه ميزةً من التفرد الجميل، استعير احداها الان، وهي ( على قد الحال) لأصف بها آفاق ثقافتي المحدودة في ميادين الادب والسياسة والفكر والصحافة، ولهذا كنت أصدق بأي شيء أسمعه من دون تأمل ولاتدقيق، وينطلي عليّ أي كلام، كما ينطلي على البسطاء والسذج من الناس !.
على إحدى فضائياتنا، وقبل اكثر من عامين، رسخ في ذهني كالحقائق الكونية، حوار مع سياسي عراقي ثقيل الوزن جداً، وان كان من غير منصب رفيع، تحدث فيه عن طبيعة الشخصية العراقية، التي وصفها بأنها ذات تركيبة سلبية، قائمة على اللوم والحقد والعدائية، وانها تبيح القتل وتستلطف إيذاء الاخر.. الخ، ولكي يثبت هذه المواصفات التي لم يقل بها اشد خصوم العراقيين عداوة، فقد استعان بالتاريخ، قديمه وحديثه ومعاصره، أتى بجملة من الأمثلة.. ومع انني يومها شعرت بالاشمئزاز، ولكن ثقافتي السطحية جعلتني اتبنى رأي الرجل، وآخذ معلوماته على محمل الجد مع الأسف!.
قبل سنوات قلائل قرأت تقريراً في جريدة الصباح جاء في تفاصيله، إنّ عراقياً من أهالي الديوانية يدعى (جواد كاظم خنياب) – مدير مدرسة ريفية اسمها الفتح المبين – كان يذهب الى الدوام بمركبته الخاصة ( من النوع الفاخر)، وفي طريقه (يعبئ) سيارته بأكبر عدد من التلاميذ، ولكن العدد الأكبر منهم، يقطع الطريق الطويلة سيراً على الاقدام، ومن هنا بادر الرجل الى (بيع سيارته الفاخرة، واستبدالها بسيارة حمل كي تتسع لأعداد التلاميذ الصغار)، وراح يقلهم ذهاباً واياباً كل يوم ... وما زال!.
لقد صوبت هذه المعلومة الصحفية المهمة، افكاري الساذجة التي سممها من وصفته قبل قليل، بانه (سياسي عراقي ثقيل الوزن جداً)، حيث وقفت على الصورة الحقيقية المشرقة للعراقيين بالدليل العملي القاطع الملموس، وليس بالتنظير والكلام الفارغ، لأن أمثال هذا النبيل (خنياب) بالآلاف، أعني بالملايين، المشكلة ان 
سذاجتي لم تتغير، فمنذ اطلعت على التقرير، وأنا أفكر واتساءل: لماذا لا نجعل من أمثال جواد كاظم مسؤولين ووزراء، ناسياً او متجاهلاً، ان المناصب والمسؤوليات في العراق، لا علاقة  لها بأصحاب القلوب الرحيمة او المواقف الإنسانية او الكفاءات العالية او الخبرات المتراكمة، لكونها وزارات محاصصة.