الشعر ودنانير الزعيم

ثقافة 2021/01/08
...

 طالب عبد العزيز
 
غالى الشاعر الروسي مايكوفسكي في موقفه من الثورة البلشفية / اكتوبر 1917 وذهب معها الى أبعد ما يمكن، فكتب ديوانا كاملاً بحق قائد الثورة سمّاه (فلاديمير ايليتش لينين) فيما عاش الشاعر سيرجي يسينن (آخر الشعراء القرويين) الى جوارها، مكتفياً بموقفه المناصر البسيط لها، مأخوذاً بحبه للراقصة الامريكية إيزدورا، غير عابئ بالتحولات الكبيرة التي طرأت في المجتمع الروسي، كذلك الحال كان مع الشاعرة آنا إخماتوفا، التي هاجم الشيوعيون قصائدها، واتهموها بالفردانية والانثوية، فيما عدَّها تروتسكي، الخصم التقليدي لستالين اهم شاعرة في روسيا، بعد حادثة اعدام السلطات الروسية لزوجها غوملييف. 
 وعلى الرغم من الموهبة الكبيرة التي كان يتمتع بها مايكوفسكي، فضلاً عن موقفه القوي، والمناصر للثورة وقائدها لينين، إلا أنَّ الأخيرَ ذا الثقافة الكلاسيكية، لم تعجبه قصائد مايكوفسكي الحداثوية، والتي تجاوز فيها الاوزان والقوافي. اليوم وبعد عقود مضت على ثورة اكتوبر وامجادها نجد أنَّ اهمية يسينن واخماتوفا وسواهما من الشعراء الروس، الذين احتفظوا بعوالمهم الخاصة، وتأملوا الحياة بعيداً عن الشعارات واليافطات السياسية، نجدها تفوق في اهميتها الفنية والثقافية مايكوفسكي والشعراء الثوريين هناك. 
كلنا يحلم بحياة يسودها العدل والمساواة، وقد نذهب في مراحل من حياتنا مندفعين باتجاه مناصرة حزب أو زعيم ما، لكننا كثيرا ما نصطدم بخيبة الامل، ذلك، لأن الثقافة وصناعة الجمال شيء، والسياسة ورجالاتها شيء آخر. اليوم، وإذا ما شاقنا أن نتحدث عن الشعراء العرب، أو العراقيين، الذين مجّدوا الثورات والزعماء والبطولات، وانتهوا مدّاحين و(ردّاحين) أو متسولي قصور، سنكتفي بقصائد قليلة جداً لهم، ولا تشير الى شيء ذي اهمية، وسنحتقر قصائد كثيرة لهم، وسنرى فيهم صورة فاضحةً للضعة والقبح، لأنهم اعتقدوا بالزعيم الاوحد، والحزب المناضل، واشاحوا بوجوههم، وقصائدهم عن معاني الحياة الواسعة، ولم يُسهموا في صناعة الجمال، الذي ننشده معاً، بل لم يكونوا حراساً امناء على القيم الانسانية، التي ننشدها معاً. المثقف بتعبير نصر حامد ابو زيد (ليس كلب حراسة، إنما هو حارس قيم). لقد فقدنا الكثير من المواهب الحقيقية، في الشعر وفنون الكتابة الاخرى، بسبب أنَّ اصحابها لم يتنبهوا لحقيقة ما استُودعوا في ارواحهم، من ملكات ومواهب، وفرّطوا بها في مديح الزعيم هذا وذاك، ولم يخلصوا لفنهم، ولما في الحياة من جمال ومباهج. لقد ذهبت ملايين الدنانير التي وهبها صدام حسين الى الشعراء، الذين مدحوه، ولاذ من لاذ منهم بالصمت، او اختفى من اختفى منهم خجلاً ورعباً، ولم تعد الدنانير تعني لأحد شيئاً اليوم، فيما تنعم الشعراء، الذين انشغلوا بالحياة والنور والجمال، غير نادمين على ما خسروه، فالشعر عندهم كل ما كان يُعنى بالإنسان وحضوره، ويؤسس لحياته، ويدخل المباهج عليه.