ألفريد سمعان.. وقصيدة المعاناة الحسيَّة

ثقافة 2021/01/09
...

  علوان السلمان
 
للفريد سمعان.. لا تأخذواأصابعي إلى القبر//لأن في صحون أفكاري/أنغاما تموت
لو بقيت راقدة على الفراش
ولأحدهم.. (الجدران الصخرية لا تصنع سجنا.. ولاقضبان الحديد قفصا.. فالأذهان البريئة الهادئة لا ترى في ذلك كله غير صومعة..).. 
وألفريد سمعان الانسان ـ الشاعر ـ القاص ـ السياسي الذي جمع في كتاباته ما بين المتعة الروحية والمنفعة الفكرية والجمالية كرسالة تبناها في مضمارها..
ألفريد سمعان الذي يقول عنه الشاعر بلند الحيدري(إنه شاعر عاش الصحراء عطشا وشمسا وسجنا رهيبا..في وحشتها عرف السراب واقعا ورمزا.. ومن خلال ذلك كله كانت تنمو قصائده دائما معاناة حسية لاتتكشف فيها الرموز ولا تستعير الكلمات قناعا..).. القصيدة عنده كائن حي متعدد الايحاء..والصور داخلها تجسد التجربة أو اللحظة الشعورية التي يعانيها.. فهي بمجملها مرتبطة بوحدة عضوية تنمو نموا الى نهايتها نافذة الى جوهر الاشياء..كون الشعر الدائم عنده هو الذي ينفذ الى ماوراء دائرة الوعي.
تقول لي..
لاتهجر الامس الذي..
تطويه آهات انتظاري..
أريد أن تمنحني..
باقات أشواق وأوراق اعتذار
فالقصيدة عند ألفريد(فصل من التجارب)كما يقول ريتشارد.. 
كون شعره التفاتة الى الذات الانسانية في التعبير عن الازمنة..لذا كانت قصائده تتصدى للقلق والتمزق اللذين يدفعانه للطواف في أحضان الذات ممتدة في الزمن.. متطورة في نفسيته وفكريته.
إياك..
لاأريد أن أرى ظلا..
لأي امرأة أخرى..
تحوم حول بيتك المغمور بالصمت..
ورفات الحنان
فقصائده تعتمد الوقوف على الروابط بين النفس ومايطالعها في عالم الحس مع حوارية تعتمد (المونولوج) فضلا عن اعتماد النزعة التفسيرية التعليلية الواعية لكي يشد العبارة الشعرية بعمق الرؤيا التي تخفف من وطأة الوصفية والسردية.
هل تحسبين أنني حقيبة للذكريات 
وأن من نام على مفارش الوصال مات
وان ما مر على طراوة الأرداف والنهدين 
ضاع في أزقة الضباب
أعرف أن ما جرى.. في حجرة الافراح..
لن تأويه ريح الشرفاء
   فعبقرية التعبير عنده تجري على المظاهر الحسية الكاملة لمعناها أو معاناتها بذاتها مباشرة. فهو مجنون بالحب والانسان والشعر..فالقصيدة عنده تصور أحلامه وأمانيه في حلقة محاطة بالقداسة واعطائه قدسية الكلمات ومعانيها(فعظماء الرجال هم عظماء العواطف. وأقوياء الرجال أقوياء العواطف) كما يقول توفيق الحكيم في (زهرة العمر).
فالشاعر بحسه الموسيقي وروحه العاطفية يعيش أجواء القصيدة ويخلقها بروح رومانس وشكل متماسك شفيف. يثير العواطف ويشحذ الخيال بشكل فني خالٍ من الانفعال الكاذب. جامعا بين الصور النفسية العميقة والخبرة العاطفية في تصوير العلاقات الاجتماعية..
هل أنت منهم..ياجريئة الشفاه؟
ما الذي مزق أثواب العفاف
كيف هزت لغة الآثام أسوار النقاء؟
كيف ماتت في ذرى الوجد عناقيد الوفاء؟ 
فالشاعر هنا يحقق توازنا زمانيا وتقفويا وتركيبيا..فالنص يبدأ باستفهام وفعل ماضٍ وينتهي بشبه جملة(مضاف ومضاف اليه) إذ استخدامه التراكيب المتشابهة مع اختلاف دلالاتها..فضلا عن أن الاسطر الشعرية تحمل الشكل النحوي نفسه (كيف هزت - كيف ماتت ـ أسوار النقاء ـ عناقيد الوفاء..) وهذا ما جعل كل بيت في حالة توازٍ ايقاعي مع ابيات القصيدة الاخرى.
لقد استطاع الشاعر استقطاب اللحظة الشعرية فأضفى عليها وصفا امتاز بدقته..وهذا الوصف عمق اللحظة الشاعرة فكانت قصائده تخاطب العواطف وتهز الوجدان.
  فالشاعر لاينقل العالم الخارجي في لحظته الاستاتيكية وانما ينقله بأشكال متحركة تكشف عن كل مايدور في داخله منقذا فكره من قيود المفردة ومعناها المكشوف.. إنه يعرض قصائد مشحونة بعواطف جياشة وكلمات متفاعلة مع الانفعالات الوجدانية والنفسية معتمدا الخيال الذي هو القــوة التي بوساطتها تستطيع صـورة معينة أو أحساس واحد أن يهيمن على عدة صورأوأحاسيس(في القصيدة) فيحقق الوحدة فيما بيننا كما يقول(كولردج)حين ربط الخيال والوحدة الموضوعية.
وألفريد سمعان في قصائده صادق في وجدانياته حتى أنه يبدو ظلا روحيا يحاول أسر الدنيا فينقل ما تعانيه نفسه نقلا مباشرا معتمدا الغناء والايقاع وسيلتين أساسيتين لتجسيد التجارب الكلية التي يعتمدها. فهو يعي أن النشوة الفنية تهدف الى إدراك أقصى مايدرك من الاشياء بنوع من المعرفة الايحائية أو ألمعرفة غير المنفصلة عن النفس أو المعرفة التي هي النفس ذاتها..لأن غاية الشعر هي أداء المعرفة بنوع من الرؤيا والحدس..لذا كانت قصائده تلقي الضوء على أهم الظواهر الاجتماعية للعصر متكئا على الفنون الدرامية والتشكيلية ورموزها.
ألفريد سمعان..سجل عبر قصائده حضورا واعيا منسجما مع تنامي المؤثرات النفسية والحسية والحضارية في مجمل لغته وتعبيراته.. كون الشعر الحقيقي هو الذي يولد وسط المعاناة فيمتلك الصدق ويعبر عن أصالة الشاعر. لذا كانت لغته تمتاز ببساطتها 
المعمقة مع مزج نثري لتعميق الواقع في ذهن القارئ.