الأمية الجديدة

منصة 2021/01/10
...

   ميادة سفر

 
​الأمية الجديدة اليوم، هي ألا تعرف كيفيَّة استخدام بعض التقنيات التي ظهرت وترافقت مع الثورة التكنولوجية!.. فأنت أمي بالمفهوم الجديد للمعرفة والعلم، ولن يتردد البعض بنعتك بالجاهل، كيف لا؟.. وأنت ما زلت بعيداً عن التطور وما أفرزه من وسائل ووسائط مختلفة.. تعيش بمنأى عن جهاز الكمبيوتر والتابلت ولم تحضن يداك موبايل يرافقك حيثما وأينما توجهت!.. الأمي اليوم، ومن دون أدنى شك، هو كل من لا يجيد القراءة والكتابة على لوحة المفاتيح، وكل من لا يعرف طريقاً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكل من لا يتعامل مع التقنيات الحديثة ويبتعد عنها. 
​بالعودة إلى الأمية بمفهومها القديم ثمة تساؤل يطرح نفسه هنا: من أين للمجتمعات المتخلفة عن ركب الحضارة والحداثة والمعاصرة، ألا تكون كذلك ويتفشى فيها وباء الأمية الجديدة، لطالما أنها لا تزال تعاني وطأة الأمية القديمة، والكثير من أبنائها أميون لا يجيدون القراءة والكتابة؟.. كيف لهكذا مجتمعات أنْ تحلمَ بمحو الأمية التكنولوجية وهي لا تزال تعاني من الوجه القديم؟.. وكمثال، تكفي الإشارة هنا إلى أنّ نسبة الأمية في العالم العربي تصل إلى نحو 21 بالمئة وفقاً لإحصائيات منظمات الأمم المتحدة، ونسبة الأمية عند الذكور في العالم العربي تصل إلى 14.6 بالمئة بينما ترتفع لدى الإناث إلى 25.9 يالمئة، وهو واقعٌ خطيرٌ يشي ويقود لخطورة أكبر على الصعيد المعاصر والحداثي ودخول واستخدام التكنولوجيا في كثيرٍ من ميادين حياة الأفراد. 
​جدير بالقول والتذكير أنّ الأمية الإلكترونية الحديثة لا تقتصر على أولئك الذين يعانون من السلالة القديمة للأمية، بل إنّها أصابت بعض الفئات المتعلمة ممن لم تستهوهم التقنيات الجديدة، أو ربما استعصى على البعض منهم ولوج هذا العالم وفهمه واستيعابه، وحتى رفض البعض بشكل قاطع وقطعي لاستخدام التكنولوجيا، لدرجة أنَّ كتاباً بأسمائهم المرموقة وقفوا موقفاً معادياً للكمبيوتر وآثروا البقاء على استخدام القلم والورقة في تدوين مؤلفاتهم.. وهذا خيارٌ شخصيٌّ، لكنه وعلى ما يبدو خيارٌ غير موفق!. 
​«الأميون في القرن الحادي والعشرين ليسوا الذين لا يستطيعون القراءة والكتابة، بل أولئك الذين لا يستطيعون التعلم، ونقض ما تعلموه، ومعاودة التعلم ممن جديد».. بهذه العبارة وصف الكاتب الأميركي ألفين توفلر «الأمية الجديدة»، مختصراً واحدة من المشكلات التي تواجه العديد من المجتمعات راهناً، في ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة بشكل لحظي، بحيث لم يعد ممكناً ولا مسموحاً بقاء أي فرد أو جماعة بعيدين عن مواكبة العصر. 
​القفزات السريعة والمتسارعة لتقنيات العصر، تحتاج إلى علاج تكون الخطوات فيه أكثر سرعة وتسارعاً وأكثر جدية، لمحو الأمية التقليدية أولاً، والاهتمام بالتعليم، لا سيما في مراحله الأولى وإدخال التقنيات الحديثة في مناهجه، فضلاً عن إيلاء الاهتمام الأكبر لمنع التسرب من المدارس، هذا التسرب الذي سيؤدي حتماً، إنْ تعاظم، إلى ظهور طبقة جديدة من الأمية الشابة على الصعيدين القديم والحديث. 
​على أية حال، وأياً يكن موقفنا من التكنولوجيا، ورغم الأحاديث المتكررة من أنها أفقدت العلاقات الاجتماعية حميميتها، وأنها أخذت مكان الإنسان، ومارست تجاهه الكثير من الاستلاب، وأنها.. وأنها.. إلى غير ذلك من نعوت بحقها، يطلقها في الأغلب أولئك الذين استوعبوا ولم يستوعبوا، على حدٍ سواء، أهمية وإيجابية الثورة التقنية.. نعم، أياً يكن الموقف والرأي، لا بد من الاعتراف أنه لا يمكننا، بأي حال من الأحوال، البقاء بمنأى عنها، لأنَّ كل ما أنتجه التطور العلمي والتقني بات جزءاً لا يتجزأ من حياة كل منا، شئنا أم أبينا، ولا سبيل لدينا إلا السير فيه وعبره!.