في إضاءة لزاوية معتمة، سيشع الضوء مكتسحاً شبح الظلام، وينفذ الى بقع متعددة كاشفا اخضرار البستان وعبق أوراده المتناثرة هنا وهناك. كما هو انتشار عطر أنثى تمر في زحمة المكان، تتشابك جماليات الأشياء وتترك آثار ظلالها مستقيمة، منحنية، تمنح الناظر سر كينونة الحياة بأبعادها ونموها المتجدد.
فعلا، الحياة نهر يتجدد في مساره، يمر بقرى ومدن شتى، هي ذاتها الموجة التي تعلو الضفة وتنحسر، هي ذات اليد التي تمتد لتغترف حفنة ماء لتبرد وجه النهر من قطع مئات الأميال ليصلنا دافقا، منسابا، هو ذاته الذي بدأ، لكنه يحمل ذكريات المسير في أوقات متعددة ومحطات كثيرة.
حاولت أن أستخدم الضوء، العطر، النهر، المحطات..، كلها عناصر ضاجة بالجمال وأضيف إليها الشعر، كونه يجسد كل التسميات في كل زمان ومكان.. الشعر هو الحياة التي ننشدها بقوة، نرمم به حيواتنا، ننشده في ترجمة واقعنا بأساليب وطرق شتى، لكنه الشعر فنار الكون في لجة الظلام.
قد نختلف في أصل الدجاجة والبيضة، لكننا ندرك تماما وجودهما على مائدة الطعام، وقد نفكر كثيراً أيهما الأول الليل أم النهار، لكننا نعرف حقيقتهما ونتحسس وجودهما حولنا في تعاقبهما.. هذا يقودني الى الضجة المفتعلة لبعض الأصدقاء ممن استغربوا وجود الهايكو بيننا ولم يلتفتوا إلى النص الوجيز أو المكثف بعناصره العديدة
والمتعددة.
يقول باشو: ليس هناك موضوع لا يناسب قصيدة الهايكو فالتقاط اللحظة الممتزجة بالاستبصار والاستنارة تتأتى من قلب جريان الزمن. دائما من البصرة تشرق أقمار المغايرة، حين قررنا أن نقيم ملتقى قصيدة النثر واجهنا بعض الآراء المعترضة بقولها (لماذا لم نقم ملتقى قصيدة العمود)، وكأنها لم تدرك أننا لسنا بالضد من الأشكال الشعرية أبداً، لكننا دائما ننشد التغيير ومواكبة التجديد، حتى حين أسسنا (ملتقى الرواية) سمعنا اللغط الكثير لماذا لم تحتفوا بالقصة القصيرة، وصولا الى (ملتقى الهايكو والنص الوجيز) الذي شرعت البصرة بفتح أبوابها أمام الأفكار والرؤى الجديدة، في وقت لم يقم أي تجمع أو اتحاد، جمعية، وفق أية تسمية بعد الركود الإجباري من لعنة
كورونا.
بادرنا ودعونا بعض الأصدقاء في ملتقى هادئ وجميل ونجح بشهادة المنصفين، على الرغم من كتابة بعض الأصدقاء لأفكارهم بخصوص الهايكو القادم من اليابان، وليكن من الصين أو فيتنام أو حتى بنغلادش.. الغاية من الثقافة هو التلاقح، طيب ما هو أصل قصيدة النثر؟ أليست أوروبية! وما أساس الشعر الحر أليس أوروبيا أيضا، ألم يستفد السياب من أديث ستيويل كما وصلنا من نقاد لهم الشأن حول قصيدة أنشودة المطر (مطر.. مطر.. مطر)، لننتبه الى كتاب فن الشعر لأرسطو.
وكيف حاول الكثيرون الإفادة منه، بل وبعضهم نسخه في تجاربه، لننتبه الى الرواية والقصة القصيرة دعونا نبحث عن أصلهما، إذن لماذا نذهب الى قشور الفكرة من دون الخوض في جمالياتها.. الشعر: نهر حياة يتجدد، هذا هو شعار ملتقى الهايكو والنص الوجيز السنوي الذي سنحتفي به كل عام.. أقول نحتفي بالشعر والجمال
والمحبة.