ألفريد سمعان ذاكرة وطن

ثقافة 2021/01/10
...

د. حسين القاصد
 
جمعتني بأبي شروق صداقة نبيلة، ولعل نبله وخلقه الرفيع هما سبب نبل هذه الصداقة؛ لكني لم أشأ لهذه الصداقة أن تكون حديثة العهد، كما هو موعدها حين التقيته للمرة الأولى بعد سقوط النظام الساقط، في اتحاد الأدباء والكتاب، بل قررت أن أكون صديقه من اربعينيات القرن الماضي! ولا تستغرب عزيزي القارئ أن كيف لمن هو من مواليد ١٩٦٩ أن يعيش في اربعينيات القرن الماضي وما بعدها، حتى يوم مغادرة سمعان العراق إلى عمان مبتعدا عن الوسط الثقافي؟
كانت لقاءاتي بألفريد سمعان شبه يومية لا سيما بعد أن قمنا بتأسيس نادي الشعر، وكنت استثمر هذه اللقاءات لمعرفة أحداث البلاد من شاهد عاشها لا من مؤلفات تاريخية غالبا ما تهيمن عليها سياسة السلطة.
ألفريد سمعان المناضل الشيوعي العاشق للزعيم عبد الكريم قاسم كان مصدرا ثريا لأحداث لم تتناولها الكتب؛ فهو المتظاهر الدؤوب كما هو في صورته المنتشرة التي يظهر فيها مع السياب، وهو الشاعر الذي حظي بتكريم الزعيم عبد الكريم قاسم، وهو الذي نجا من نقرة السلمان؛ وحين سألته عن يوسف الصائغ قال خرج من السجن قبلنا، أي قبل انقلاب 1968، ولم يذكر السبب.
بعد انقلاب 1968 قررت سلطة البعث إعادة تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب في العراق ليكون مناصفة بين الشيوعيين والبعثيين على أن يرأسه الجواهري الخالد مرة أخرى؛ وكان سمعان من المفاوضين في إعادة تأسيس الاتحاد.
ثم انسحب بهدوء واكتفى بعمله محاميا بعيدا عن لوثة الأدب التي كانت تجلب الريبة والقلق، ولعلها مازالت كذلك، وظل على هذه الحال لحين انهيار الدكتاتورية.
كان سمعان متواصلا مع جميع الأدباء وليس غريبا أن يحضر مناقشتي الدكتوراه في جامعة القادسية وهو بهذا العمر وكان يكفيه أن يقوم بالتهنئة الهاتفية كما هو معتاد في أوساطنا.
حين قرر الشاعر عمر السراي دراسة منجز ألفريد سمعان وأراد اجازة الموضوع للدراسة كتبت: الموضوع يستحق لأن الشاعر ألفريد سمعان يمثل ذاكرة وطن وشاهدا على كل الأحداث السياسية فيه وأجزت الموضوع وأجازه أستاذي العلامة د.سعيد عدنان.
آخر مرة سمعت فيها صوت أبي شروق حين تناهى إلى اسماعنا خبر مرضه في عمان، كنت وقتها مدير عام دار الشؤون الثقافية العامة وصادف أني كنت في اجتماع مع وزير الثقافة السابق الدكتور عبد الأمير الحمداني، واتصلت بأبي شروق وسألته عن صحته ثم أخذ مني الهاتف الدكتور الحمداني وسأله عن صحته، وأجابنا بأنه بخير وتبادلنا شيئا من الذكريات.
رحم الله أبا شروق مناضلا نبيلا وأمينا عاما لاتحادنا وصديقا عزيزا وأبا غاليا. له الذكر الطيب في قلوب محبيه.