« قسمة بن آوى»
أوصاني أبي وصية أخذها عن جدي؛ تعلموها من أجدادهم في سالف الأزمان, حينما كانوا يجوبون الصحارى مع إبلهم؛ بحثاً عن الماء والكلأ.
- قال لي فيها: إياكَ, يا ولدي أنْ تقبل لنفسك- في مسيرة حياتك- بقسمة بن آوى!.
- قلت له: وما هيَّ قسمة بن آوى, يا أبي؟.
- قال: (اتفقَ يوماً: أسد وذئب وبن آوى؛ على أن يصطادوا سوية, وعندما ذهبوا إلى المكان المقصود؛ استطاعوا صيد: بقرة ونعجة ودجاجة.
ولمّا أرادوا تقسيم صيدهم.
- قال الأسد للذئب: قّسم الصيد أنتَ.
- قال الذئب: البقرة لكَ والنعجة لي والدجاجة لابن آوى.
بالكاد فرغ الذئب من كلامه؛ وإذا بالأسد يفصل رأسه عن جسده ويرميه جانباً!.
ثم التفتَ إلى بن آوى قائلاً له: قسم الصيد أنتَ.
- قال بن آوى للأسد: الدجاجة لكَ؛ لتفطرَ بها, وكذلك البقرة لكَ؛ فهي غداؤك وأما النعجة فستكون عشاءك هنيئاً مريئاً.
- قال الأسد لابن آوى: منذُ متى, وكيف تعلمت هذه القسمة «العادلة»؟.
- قال بن آوى للأسد: تعلمتها للتو؛ حين رأيت رأس الذئب منفصلاً عن جسده).
.. وقد عملتُ بنصيحة أبي هذهِ؛ احتراماً لشيبته.
وها أنذا, اليوم في غرفة الإعدامات أنتظر دوري.!.
«ربكة»
تَعاقبتْ عليَّ أضدادها.. فرح.. حزن..
توترتْ أعصابي.. التجأتُ إلى النوم
في النوم وجدتُ نفسي «جنين» في بطن أمي..
طاب لي المقام.. فَظَّلتُ البقاء طول العمر!
لولا حرارة الشمس التي أيقظتني من نومي!.
«الجنة»
قال: لن أتركُها إِنْ ظفرتَ بها ثانية..
وسأكون عاقلاً مطيعاً..
ولن أدنو من الشجرة.
«أربع زوايا»
جَعَلَنا ننظر لزاوية واحدة...
وسرقَ ما في باقي الزوايا!.
«نصيحة»
تكرر المشهد الليلي للسكير البائس...
عدم اتزانه في المشي... تلعثمه في الكلام... تمرغه في التراب...
تبوله على نفسه... قيء.
اجتمع الكل على نصحه, أثناء النهار.
بدأ السؤال:
- لماذا تشرب؟
- قال: كي أزيح آلام النهار التي تعتريني.. أخرج من الضغط والاضطهاد, وعبودية الزمان والمكان ومَنْ بينهما!.
- ما الذي تشعر به عندما تسكر؟
- قال: إذا انتشيتُ فإنني صرتُ ملكاً!.
في الليلة التالية, أصبح الكُل...... ملوكاً!.
نظرات وحسرات
جلستُ كعادتي كل صباح, في الركن المنزوي من المقهى؛ أرتشف فنجان قهوتي وأقرأ صحيفتي اليوميَّة المفضلة.
هيَّ أتت بعد فترة, وجلست قبالتي وسط الصالة, لا أعرفها ولا تعرفني, لكنْ سرعانَ ما اعترتني حالة انجذاب شديد نحوها: جمال أخاذ. طول فارع. جسم متناسق. قوام رشيق. كل شيء فيها مختلف؛ حتى هدوؤها نسبي. كانت صورة ملاك على هيئة فتاة!.
رمقتني بنظرة من طرف عين؛ فزادتني غراماً؛ الأمر الذي جعلني أطيل النظر إليها؛ لدرجةٍ اتسعت أحداق عيوني من تبحلقي عليها!. وسرعان ما أخرجتُ علبة سجائري؛ كي أحرقَ شيئاً قبل أنْ أحرق قلبي وأعصابي؛ ولشدة ولهي وتلهفي على تلك المخلوقة؛ ارتعشت يداي, وسقطت بضع سيجارات من العلبة في الوقت ذاته الذي سحبت فيه سيجارة واحدة, حيث سقطنَّ قرب طاولتي من الجهة المكشوفة أمامها. تركتهن ولم التقطهن من الأرض؛ لئلا أصغر في نظرها. نظرت نحوي بانجذاب؛ لما رأتني بتلك الحالة المربكة, وظلَّت ترميني بالنظرة تلوَ الأخرى؛ ثم أخرجت علبة سجائر من حقيبتها, وبدأت تدخن؛ غير أنها لم تسقط واحدة.
ما تركتُ لحظة واحدة تفوتني؛ إلا وأنا أرسم خطَ نظري صوبها دون انقطاع!.
هيَّ كذلكَ لم تبطل الرؤية تجاهي, ولكن نظراتها غالباً ما كانت نحو الأسفل..
فيها من الحياء ما يجعلها ألا تضع عينها في عيني. الأمر الذي حببها إليَّ أكثر.
بقيتُ جالسا لساعات؛ صامتاً من دون حراك, سوى عيوني وقلبي, فقط هما اللذان يعملان..
ما كانَ بمقدوري الكلام معها, ومصارحتها بما يجول في خاطري؛ لأفصح لها عن هذا المدد الذي أتاني من السماء في هذا الصباح, وهشمني!؛ بسبب خجلي, ولعدم تعودي الكلام مع نساء لا أعرفهن, والفتاة كما بدت لي لا تستطيع الكلام معي لما فيها مثل ما فيَّ من خجل!.
في الآخر كان لا بُدَّ لي من مغادرة المكان؛ لأني تأخرت كثيراً عن عملي, ولعلي في ذهابي؛ أحرك الجمود الذي نحن فيه؛, وعسى أنْ تتبعني وتكلمني.
فعندما انسحبتُ مجبراً, وتقربتُ من الكاشيرة؛ لأدفع الحساب... شاهدتها هيَّ الأخرى تنسحب... يا الله.
لكن انسحابها كانَ باتجاه مكان جلوسي!, وبسرعة خاطفة وصلت, والتقطت كل السيجارات الساقطات مني تحت الطاولة. ثم عادت مكانها ثانيةً, وجلست بهدوء وارتياح.