ابتهال بليبل
في العام 2021 لن تحتاج المرأة استعمال أحمر الشفاه، فسيكون بوسعها أن ترتدي كمامة الوجه فقط لتبدو بمظهر لطيف، سمعتُ تلك "المقولة" السحرية عن دور الكمامة من والدتي. كانت مجرّد واحدة من توقعاتها التي من المُفترض أن أقتنع بها.
يحضر في الذهن عمل الفيلسوف (ميشال فوكو) في كتابه - الذي يمثل نقطة انطلاق للخطاب النسوي حول الجسد الطيّع- "المراقبة والمعاقبة ولادة سجن" وكيف يرى أن الرقابة الاجتماعية على الجسم تهدف إلى إنتاج مخلوق سهل الانقياد.
وأنا مثله أرى أنّ أجساد النساء تصبحُ سهلة الانقياد من خلال سلوكيات وخطابات مشروطة. وستكون هناك امرأة ما على الأقلّ تواجه الحيرة والارتباك في متجر لاختيار كمامة تناسب ألوان فساتينها الكثيرة. وستعبّر أخرى عن ضجرها الشديد وهي تتبادل مع رفيقتها الأحاديث وهي تُذكّرها بأهمية اختيار التقليعة الجديدة للكمامة. ستُخرج غيرها مرآة من حقيبتها وتضبط وضع الكمامة.. ثمة كمامة إذن تستحقّ الاهتمام لأنها بديلة عن نصف وجهي.. جزء من جسدي، وعلى الرغم من كل المخاوف العالمية التي لا بدّ من أنها صحية لكن الكمامة الآن لها مخاوف أخرى.
ببطء وعلى مهل تأخذني الكمامة إلى مفاهيم النسوية المعاصرة في "الجسد والملبس" إذ تكشف عن قوى ثانوية معارضة للنسوية ومساندة للسلطة الأبوية، بل وتعترف بأن المظهر الجذاب له قيمة في المجتمع، لأن "الجسد من أشكال المادية والرمزية" بحسب پيير بورديو.
إنها تتطلب الالتزام الصارم. لا يمكن نسيانها دقيقة أو دقيقتين في الزحام البشري، إذ يمكن أن تفقد حياتك. وقد ترتعد إذا صادفت مصاباً بالوباء وهولا يرتدي (كمامته). عمل الكمامة الآن يسافر في اتجاه الطرق التي يمكن أن نكتسب التمكين من خلال الامتثال للمعايير الصحية بعيداً عن أشكال الهيمنة التي تقمع تعريف الذات.
أستطيع الجزم، بأن الكمامة -وفي أمس حاجتنا لها للحد من انتقال الوباء- ترقى إلى تطابق المرأة مع المفاهيم التقليدية المروعة التي تنتج ذلك الخليط المتمثل بالممنوعات. هي تظهر بصورة مثالية حين يتم إخفاء الملامح الأنثوية -تحديداً- بشكل حسي تحت الأقمشة حتى تبدو أقرب إلى ما يسمى "بالستارة أو اللاصق".. كما أنها مؤهلة للفكرة الأفلاطونية القائلة، إن "الجمال الجسدي يمكن أن يكون ممراً للتسامي، للجمال الروحي".. وهي بذلك -أقصد الكمامة- تعزّز المعتقدات الروحانية الصارمة للإصلاح المضاد.
بعضهم قد يفزعه ذلك بالطبع ومن الممكن أن يفسره باللاعقلاني، ولكن لماذا لا نقول كلمتين عن الكمامة؟ إنها تغطي الفم أو تغلقه رغم كل شيء، بل تعمل كنقطة انطلاق لبناء طرق استعمارية، وتجاهد في تفسير تمثيلات الجندر والعلاقات بين الجنسين بطريقة تعكس بدقة مفاهيم الذكورية القديمة.
عموماً هي مفروضة صحياً، ومعقدة جدا بوجودها المفرط في التبسيط، وكذلك خبيثة لأنها تعكس القيم الاجتماعية والثقافية لعصور وُجدت خلالها، كما أن لها صلاحية عجيبة ومبالغ فيها لدرجة أن تدفعي للشعور بالاختناق كلما غطيتُ بها فمي.. ثمة كمامة قادمة.. تستحق أن نتأمل دورها في صنع عالم قابل له قيمه الجديدة.