ولد تشارلز سيميك عام 1938 وهو شاعر صربي – أميركي. أنتخب لمنصب شاعر الولايات المتحدة عام 2007. من عناوين مجموعاته الشعرية: (تعرية الصمت) 1971، (مدرسة لأفكار سوداء) 1978، (أغاني بلوز لا تنتهي) 1986، (فندق الأرق) 1992، (اصطحاب القطة السوداء) 1996، (نزهة ليلية) 2001، و(ستون قصيدة) 2008 وغيرها.
وبرأي العديد من النقاد فإن شعر تشارلز سيميك لا يعتمد على معاييرَ ثابتة اذ انه يتحدى كل تصنيف جامد، جامعا بين البعد الميتافيزيقي وتصوير معاناة الانسان اليومية مضفيا أجواء من السريالية والفكاهة السوداء التي تجعل نصوصه منفتحة على مختلف التأويلات.
قصيدة (امبراطورية الأحلام) لسيميك هي قصيدة مغايرة في تسلسل أحداثها، ونحن هنا بأزاء بناء يثير أكثر من سؤال، اذ تم اطلاق مايثير الدهشة منذ البداية (في الصفحة الاولى من كتاب حلمي) مايجعلنا ننتظر ماسيحصل للمتحدث بعد الحلم: أن يستيقظ ليدون حلمه: ( دائما الوقت مساء في بلد محتل) حيث يمثل الحلم/ الكابوس انعكاسا لما عاشه الشاعر من أحداث مفجعة وماعانته مدينته بلغراد عاصمة يوغسلافيا اثناء الحرب العالمية الثانية من فظائع ودمار:
ساعة قبل فرض حظر التجوال.
مدينة في ولاية صغيرة.
حيث الأبواب جميعا مظلمة.
وواجهات المحال
تصيب الناظر إليها بالاكتئاب.
الأبيات السابقة كلها تنتهي بنقاط وجميع الصفات هنا تعكس حالة القتامة والاحباط ساعة قبل فرض حظر التجوال في امبراطورية تبدو غامضة الملامح مما يستدعي طرح السؤال.. من هنا وما الذي يحدث بالضبط؟:
أقف في زاوية شارع حيث لا يجب أن أكون
وحيد وبلا معطف
وقد ذهبت للخارج لأتفقد كلبا أسود
استجاب لصفيري.
المتحدث في النص يعي أهمية مكانته ومكانه أيضا.. لكن أين؟
في الحلم أو في أرض محتلة أو ربما الاثنين معا، وهو بهذه الفكرة ينتقل بين الوهم والواقع لكن الحرية تبقى مفقودة في كلتا الحالتين.. صورة الكلب تتكرر كثيرا في العديد من قصائد سيميك.. وهنا الكلب لونه أسود يشبه ظل البطل أو شيئا يقفز الى لحظته الراهنة ويشوش أفق الدلالة.
في القصيدة رجل يحمل قناعا يشبه ذلك الذي يلبسونه في احتفالات الهالاوين:
ولدي قناع يشبه تلك التي يرتدونها
في احتفالات الهالاوين
لكنني أخاف أن أرتديه.
هذه الأبيات تتضمن معاني قابلة لقراءات مختلفة، إذ تبرز صورة القناع الذي يحمله شخص متوجس من ارتدائه ربما لشدة تركيزه على مشهد الحلم وربما يريد أن يحافظ على إحساسه بالمسؤولية في الاحتفاظ بوجهه الحقيقي في جو الريبة والكوابيس والخدلان أيضا.
في أجواء الحلم المزدحمة لا يريد المتحدث أن يضيف طبقات أخرى تزيده تشوشا.
مكان الحقيقة المعبر عنها هنا هو امبراطورية محتلة في تحديد لغزو قوة خارجية أو قوات عسكرية.. وفي هذا المكان المرسوم بين الواقع والخيال مقيدات مع فرض حظر التجوال لكننا من جهة أخرى لا نرى الصراع واضحا بين المتحدث في القصيدة والاجراءات المفروضة فهو يعيش ضمن حدود عالمه الخيالي لأن هذا هو ما يبدو مقتنعا به.
المحال الفارغة والبنايات المظلمة تشيع نغمة الكآبة واليأس في عوالم النص.. ولا تبدو هناك علامات رفض لهذا الصراع في مجرى الحياة اليومية في ما يبدو أنه علامة رضا وقبول للعيش في ظل وضع ملتبس.
يكرس سيميك هنا استعادات ما تحفل به ذاكرته صبيا في بلغراد تحديدا أيام الحرب العالمية الثانية.
في الشارع المحدد يرسم الشاعر فكرة خلفية الصراع حيث حطام البنايات المحترقة يشير الى تعرض هذه الأماكن للقصف.
لذلك فإن ثيمة الصراع حقيقية وتستند إلى أرضية تاريخية.
كتب سيميك عشرات القصائد الأخرى المتأثرة بأجواء الحرب والمترسبة مؤثراتها العاطفية في طبقات ذاكرته ووجدانه وتقفز صورا شعرية هنا وهناك جالبة الأحلام والكوابيس في نصوص عديدة.
(امبراطورية الأحلام) نص طبقات وأسئلة وتعدد تأويلات حيث لا نحصل دائما على إجابات شافية بسبب التداخلات بين الحلم والواقع والزمان والمكان المغمور بضباب يتدفق من ذاكرة جريحة مكتظة بالكوارث والنهايات السائبة التي تساعد على احداث عمليات إحلال لتجارب مختلف القراء، بما يثري النص بقراءات متعددة تجعله قابلا للحياة بعيدا عن تفاصيل واشتراطات الحادثة المؤقتة وتفاصيلها الخاضعة لسلطة الزمن.