البصرة: صفاء ذياب
للمرة الأولى في تاريخ مدينة البصرة، تعرض أعمال أصلية لفنانين عالميين مثل بيكاسو وسلفادور دالي وخوان ميرو وأدوارد مونش وغيرهم الكثير من الفنانين العالميين والعراقيين في الكاليري الجوال الذي قدّمه الفنان والشاعر صلاح حيثاني قادماً من كربلاء، وعلى مدى يومي الأحد والاثنين الماضيين.
حيثاني الذي بدأ بجمع الأعمال الفنية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، انطلق من هولندا وأقام لسنوات في الإمارات العربية المتحدة ليستقر أخيراً في مدينة كربلاء هو وأعماله الفنية في متحف خاص أسماه (متحف صلاح حيثاني)، ضم نوادر لأعمال تشكيلية زيتية وأعمال نحت وحفر ومخطوطات وأعمال فنية أخرى.
كورونا والفن
كان من المفترض أن يبدأ مشروع الكاليري الجوال منذ سنتين، وشرع حيثاني بالإعداد له، غير أن جائحة كورونا غيرت الخطط كلها، فتوقف المشروع، وبقي حيثاني ساكناً في كربلاء لم يستطع أن ينفذ أي مشروع كان مخططاً له، وفي حديث خاص لصحيفتنا أكّد أن فكرة الكاليري الجوال فكرة قديمة، بدأت قبل سنتين، لكن جائحة كورونا عطلت المشروع، فاضطررت للعمل بأشياء ثانوية ومكملة للمشروع حتى اجتمعت الشروط الموضوعية للبدء به، لاسيّما أنني الآن موجود داخل العراق، ولأن الفكرة الأساسية لهذا الكاليري تعريف الدول العربية بالفن العراقي المعاصر من خلال مجموعة أعمال فنية منذ بدايات التشكيل العراقي المعاصر وحتى اليوم، وكان المشروع أن تتجوّل هذه الأعمال بعشرة بلدان عربية وأكثر من ثلاثين مدينة فيها، غير أن جائحة كورونا عطّلت هذا المشروع حتى إشعار
آخر.
وفي سؤالنا عن سبب اختياره لمدينة البصرة منطلقاً لمشروعه الجوال، أشار حيثاني إلى أن هناك أسباباً كثيرة، فبعد أن أُجّلت فكرة التجوال في المدن العربية، جاءت الفكرة أن أبدأ بالعراق، فيكون للكاليري الجوال ركيزة أساسية أنطلق من خلالها للدول العربية بعد انتهاء الجائحة، ومن ثم سنعرف من خلال هذه الجولات المحلية كيف يعمل الكاليري بشكل جيد، من أجل التأسيس لخطط أواجه بموجبها المشكلات غير المتوقعة التي قد تحدث خلال التجوال، وهذا سيعطيني خبرة من خلال هذه التجربة.
وقد بدأ حيثاني من البصرة، لأنه يرى أن هذه المدينة بداية أي فعل ثقافي على مدى تاريخ العراق، والبداية منها بداية موضوعية وحقيقية.
مشروعان متوازيان
لم يكن مشروع حيثاني وليد السنوات القليلة الماضية فحسب، بل إنه بدأ بمشروعين متوازيين؛ الأوّل تجميع الأعمال الفنية، والثاني إقامة المتحف الفني، فقد "بدأت بجمع الأعمال الفنية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كانت في البداية لمجموعة من الفنانين العراقيين، وبعض الأصدقاء العرب المقرّبين، ثم تمكنت من شراء بعض الأعمال العالمية، غير أن الزيادة الملحوظة في جمع الأعمال جعلتني أفكّر بتأسيس متحف فني، ابتداءً من هولندا حيث كنت أعيش، ومنذ خمسة وعشرين عاماً بدأت أستثمر أي مبلغ أحصل عليه بشراء عمل فني مهم، فضلاً عن عملي في المكتبات وأرشفة الأعمال الفنية، إذ استطعت من خلال هذا العمل الحصول على بعض الأعمال الفنية كمقابل لما أقدّمه، أو تخفيض الثمن الباهظ لبعض الأعمال. الأعمال الأخرى اقتنيتها من خلال الأموال التي أجمعها من عملي الشخصي، أو من خلال قروض مصرفية أسددها من عملي الخاص، حتى تكوّنت لدي أعمال مهولة كنت لا أحلم بجمع ربع
كميتها".
66 عملاً نادراً
في هذا الكاليري الذي عرضه حيثاني على قاعة جمعية التشكيليين في مدينة البصرة، عرض حيثاني 66 عملاً فنياً بين أعمال نحتية أو رسم أو أعمال حفر، وتضمنت أعمالا لفنانين عالميين كلها أصلية وموقعة ومرقمة، منها أربعة أعمال لبيكاسو، وأعمال لدالي وخوان ميرو وإدوارد مونش وشاغال وكورناي ولوشيبرت وكثير غيرهم من الفنانين العالميين. أما عراقياً فتم عرض أعمال لفائق حسن وإسماعيل الشيخلي وإسماعيل فتاح الترك ونزيهة سليم وعلي طالب ووضاح مهدي ويسرى العبادي ورافع الناصري وفايق حسين ولورنا سليم، مع مجموعة أخرى من الفنانين العراقيين.
وأكّد حيثاني أن الانطلاقة التي بدأت في البصرة، ستستمر في رحلات لمدن أخرى، فالكاليري الجوال سيجول أغلب المدن العراقية، حتى تنتهي جائحة كورونا ويعود حلم التجول به في البلدان العربية.
أهداف فنية
ربّما يتساءل أغلب من زار الكاليري الجوال ومتحف صلاح حيثاني في كربلاء، عن الأسباب التي تدفع فناناً بوصفه فرداً الى أن يقدّم هذه الأعمال الفنية للعامة من دون التفكير بأي مردود مادي أو حتى تعويض عما خسره منذ عشرات السنين، غير أن حيثاني يرى أن مشروع أي عمل فني، ومنه المتحف الفني، مشروع قائم على تحجيم الخسائر، فالخسارة لابدّ منها، فإذا تمكنت من تحجيم الخسارة إلى النصف، فأنت الرابح في هذه الحالة. مجيئي للبصرة جعلني أخسر مبالغ ليست قليلة، ولن أستطيع رد هذه المبالغ لأن المعروضات ليست للبيع لأنها أعمال متحفية، والفرجة مجانية.
أما عن هدف المتحف والكاليري الجوال، فيكشف حيثاني عن أنه يبحث عن عملية خلق الصلة بين الجمهور والأعمال الفنية لتحسين ذائقتنا الجمالية بعد خراب استمر أكثر من أربعين عاماً، وهو المطلوب تماماً.
حيثاني يرفض أن تدخل أية مؤسسة في هذا المشروع، لأنه يعتقد بأن أية مؤسسة ستطالب بمقابل، أو من جهة أخرى، فإن هدف المتحف الجمالي سينتهي لأنه ربما سيحسب على المؤسسة الداعمة "لأن هدفي أن يبقى المشروع نقياً بعيداً عن أية آيديولوجيات، ولهذا أسميت المتحف (متحف صلاح حيثاني) لكي أبعد أية جهة مهما كانت".
وحتى على مستوى المتحف، فقد استأجر حيثاني مكاناً كبيراً في كربلاء، يكلفهمبلغ استئجاره شهرياً مع الموظف والمصاريف الأخرى أكثر من مليوني دينار، يدفعها من مرتبه الخاص لأنهيعمل بمؤسسة جيدة، بحسب قوله. غير أن الفكرة الرئيسة من هذا كله هي إتاحة جرعة جمال كبيرة واستمتاع للجمهور العراقي، ومحاولة خلق الصلة المفقودة بين المتلقي والإحساس بالجمال.