«طيف اسطنبول} يجسد الهوة الثقافيَّة

منصة 2021/01/12
...

 اسطنبول: أ ف ب
 
يحقق مسلسل "طيف اسطنبول" الذي تعرضه منصة "نتفليكس"، نجاحاً كبيراً في تركيا والعالم، إذ تعكس شخصياته المتباعدة ثقافياً الفروق الحادة في المجتمع الذي يشهد انقسامات عمودية في ظل حكم الرئيس رجب طيب إردوغان.
نمط حياة مترف
وتدور قصة العمل حول شخصيتي عاملة تنظيف محجبة تقيم في إحدى الضواحي النائية في اسطنبول، واختصاصيَّة نفسيَّة برجوازيَّة تعيش نمط حياة مترفاً وتمضي إجازاتها في الخارج وتبدي عداءً شديدا للمحافظين.
وأثار هذا العمل الذي تبثه "نتفليكس" للجمهور العالمي باسم "إتوس"، اهتماماً كبيراً حول العالم، في تجسيد للنجاح المتنامي للإنتاجات الدرامية التركية التي تُعرض في عشرات البلدان في الشرق الأوسط وآسيا وأميركا اللاتينية.
ويتمايز المسلسل المؤلف من ثماني حلقات تحمل توقيع المخرج والكاتب بيركون أويا، بمقاربة اجتماعية لم يسبقه إليها أي من الأعمال التركية قبلاً، ليقدّم إلى الجمهور العريض صورة واقعية عن الهوة الاجتماعية والأسرية في البلاد.
ويقول المؤرخ في جامعة اسطنبول التقنية دوغان غوربينار إن "المسلسل نجح في إيجاد توازن بين الإنتاج الشعبي ومستلزمات العمل العميق".
ويستند نجاح المسلسل الذي بدأ عرضه أواسط تشرين الثاني، بجزءٍ كبيرٍ منه إلى موهبة الممثلة أويكو كارايل التي تجسد شخصية مريم وهي عاملة تنظيف شابة تعيش تحت رحمة أخيها المستبد وتعاليم المرشد الروحي في الحي الذي تقطنه.
وتستمر الحال على هذا النحو إلى أنْ تلتقي مريم الاختصاصية النفسية بيري (تؤدي دورها الممثلة دفنه كايالار) التي تجسّد النقيض لها، إذ إنها متحدرة من عائلة ميسورة وتعيش حياة بعيدة تماما من التديّن كما أنها تحمل إجازات علمية عدة وتجاهر بآرائها المناهضة للمنحى المحافظ الذي تسلكه تركيا.
مقاربة حساسة
وأثار المسلسل جدلا واسعا في تركيا بعيد البدء بعرضه، خصوصا لكونه يقارب مسائل حساسة في بلد تظهر استطلاعات للرأي فيه تعمق الهوة الاجتماعية والاقتصادية فيه على مر السنوات الأخيرة.
وفي دراسة لمجموعة "جرمان مارشال فاند" الأميركية نشرت الشهر الماضي، قال 75 % من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إنهم يعارضون زواج أولادهم من أشخاص ينتمون إلى حزب سياسي "شديد البعد" عن اقتناعاتهم. وأوضحت الممثلة التي تؤدي دور مريم، وهي شابة غير محجبة في حياتها اليومية، أنها تشعر بأن هذه الشخصية تشبهها.
وقالت الممثلة أويكو كارايل لوسائل إعلام تركية في تشرين الثاني إنَّ مريم "تشعر بأنها تعيش في دوامة. لكن هل الذنب ذنبها؟ كلا، السبب هو الحياة والبيئة الاجتماعية التي تخنقها وتدفعها إلى إيجاد متنفس بطريقتها الساذجة".
وقد بُنيت تركيا التي تعد 83 مليون نسمة، بعد الحرب العالمية الأولى على الرغبة في إعادة تشكيل الأمة على أساس هوية فريدة بعيدا من الطابع التعددي للإمبراطوية العثمانية التي انبثقت منها.
لكن في الواقع، يضم هذا البلد الذي يربط أوروبا وآسيا، أطيافا متنوعة متباعدة في العقيدة ونمط الحياة، بين قوميين أتراك وآخرين من الأقلية الكردية، أو سكان مدن على الساحل الغربي يعيشون نمط حياة غربيا في مقابل آخرين يلتزمون أسلوب عيش محافظ أكثر في الأناضول، أو بين إسلاميين وعلمانيين.
 
نظرة تسطيحيَّة؟
وفي "طيف اسطنبول"، يتجلى التباعد بين مريم والاختصاصية النفسية في طريقة تعبير كلّ منهما والتي لا تعكس مستواهما التعليمي وانتماءهما الطبقي فحسب، بل تكشف أيضا أمورا أكثر عمقا متصلة على سبيل المثال بعلاقة كل منهما بالإسلام.
ففي مقابل التديّن الواضح لدى مريم، تعكس شخصية الاختصاصية النفسية بيري الأفكار النمطية المتوارثة لدى بعض العائلات التركية إذ تقول لوالدتها في أحد المشاهد إنها تنظر إلى النساء المحجبات على أنهن أشبه بـ"وحوش".
ورغم الآراء الإيجابية الكثيرة التي حصدها المسلسل، انتقد البعض ما اعتبروه أسلوبا تسطيحيا يقوم على إجراء تعارض مستهلك بين المرأة البرجوازية العلمانية وشخصية الفتاة الملتزمة دينيا وغير المثقفة.
وتقول زينب شريف أوغلو دانيس العضو في "جمعية النساء التركيات والديموقراطية" التي تديرها ابنة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إن بعض النساء المحجبات "طرحن تساؤلا مشروعا عن سبب تهميشهن".
وتشير إلى أن المسلسل كان يجب أن "يتجاوز البديهيات" في تمثيله الانقسام بين النساء التقليديات والمعاصرات، مقرة في الوقت عينه بأن المسلسلات التلفزيونية غير قادرة على عرض "نظرة شاملة" للوضع في البلاد.