ملعون أبو الاسد!

الصفحة الاخيرة 2021/01/12
...

حسن العاني 
" عمر وتعده السبعين" وتغير كل شيء، السمع والبصر واللحم والعظم " والحيل " والعافية، لكن موسم  الهجرة الى المدارس لم يتغير، وها هي عصافير الجنة وحقائبها الملونة وملابسها الجديدة في الطريق الى المدرسة، انها تجربة اليوم الأول من القوانين ورنة الجرس وسلطة المعلم والقيام والجلوس بنظام صارم على حساب الفوضى واللعب والهرج والمرج والعبث الطفولي، هو كذلك يومي الأول الى مدرسة " الفتوة" في الكاظمية والمدير يرفض قبولي، لانني دون السن القانونية لولا تدخل وسيط اثير على قلب المدير، 
قال له، ان هذا الولد - يقصدني- قد ختم القرآن وهو يعرف أسماء الحروف، ويستطيع كتابة الأرقام من الواحد الى المئة، واراد الرجل الانيق وهو يجلس وراء مكتب انيق أن يتأكد من صحة هذه المعلومات الخطيرة، لان التلميذ الذي يقف امامه قد يخفي تحت خوفه عبقرية ربما يتحدث عنها سكان الحضر والبادية ولذلك سألني عن آية  كريمة كانت معلقة على الجدار، إن كنت قادراً على قراءتها، فقرأتها باقتدار اثار اعجابه وطلب مني الاقتراب من مكتبه، والوقوف الى جانبه، ووضع امامي ورقة ثم اخرج من جيبه ( قلم حبر) وقال لي اكتب الرقم (87)، وحين تلكأت، سألني إن كنت اجهل كتابة هذا الرقم، فأجبته بانني اعرف كتابته ورسمت (87) بأصبعي، ولكنني لا اعرف كيف يكتبون بهذا القلم، فهذه اول مرة اراه، وضحك الرجل بسرور، وارسلني بصحبة (الفراش) الى ساحة المدرسة، اذ صادف أن تكون حصتي الأولى في الفتوة، درس 
رياضة!.
كان التلاميذ قد سبقوني الى الدوام بعشرة أيام تقريباً بسبب مشكلة عمري واعتادوا على معظم التفاصيل المدرسية، الا انا، وكانت الساحة واسعة ومحاطة بأشجار عملاقة والتلاميذ يرتدون الزي الرياضي، وانا ( الافندي) الوحيد بينهم، كانوا موزعين على اربعة خطوط، وقد وقفت في نهاية الخط الأول وحقيبتي في رقبتي سمعت المعلم يخاطبنا ( نحن الآن في غابة يتجول فيها أسد شرير، أنا أراه وأنتم لا ترونه، وسوف يهاجمنا - على غفلة - وعلينا أن نتسلق الأشجار، طبعاً كل واحد منكم عنده حبل طويل، وعندما أقول : وصل الأسد، ارموا الحبال الى أعالي
الأشجار وتسلقوا بسرعة ومن يتأخر سيأكله الأسد)، ومع انني للأمانة التاريخية لم أرَ أي حبل، ولكن المعلم لا يكذب، وبينما هممت اخباره بانني لا امتلك حبلاً، صاح فجأة بأعلى صوته وبحركة تمثيلية تنم عن خوفه " جاء الأسد"، فاذا التلاميذ يرمون حبالهم ويتسلقون بسرعة جنونية، انا في نهاية الخط،  يعني انا الأقرب الى أنياب الأسد، في لحظات الرعب تلك حدثت ثلاثة أشياء ( انطلقت من اعماقي عيطة مدوية ) و(توقفت الدورة الدموية ) وأخجل ان أقول ( تبللت ملابسي الداخلية ) ولكن هذا ما حصل ! ، سارع المعلم واحتضنني بين ذراعيه وافهمني ان هذه مجرد لعبة رياضية ولم يتركني الا بعد الاطمئنان على حالتي النفسية، ومنذ ذلك اليوم وانا امقت الأسد اللعين واكره اباه وذريته
ومن يحبه !.