«مدينةُ الدُخان}

الصفحة الاخيرة 2021/01/13
...

  رضا المحمداوي 

ما أنْ يُذكر اسمها(النهروان) حتى يحيلك إلى الواقعة التأريخية بطابعها الإسلامي، لكن واقعها الحالي يشيرُ إلى غير ذلك البُعد الزمني العميق، فقد أصبحتْ هذه المدينة التي تقع على بُعد 35 كيلومتراً جنوب شرقي بغداد أكبر تجمع لمعامل الطابوق، حيث تضمُ في مساحتها البالغة 3 كيلو مترات أكثر من 700 معمل للطابوق، إضافةً إلى معامل دباغة الجلود.
وضمن البرنامج الوثائقي(محطات عراقية)، الذي تقدّمهُ قناة( العالم)، عُرِضَتْ حلقة بعنوان (مدينة الدخان) وقد اتخذت من (النهروان) مكاناً رئيسا لها وكشفتْ عن معاناة الإنسان العراقي العامل في معامل الطابوق في تلك المدينة، بعيداً عن اللغة الرسمية أو محاولة التخفيف من وطأة الواقع الثقيل، بل تمّ تقديم واقع الحال في تلك المدينة، منذ ظهور عنوان الحلقة المكتوب على الفوهة، التي تنفث الدخان الأسوَد بوجه المُشاهِد. صحيح أنَّ البرنامج قدَّمَ مادتَهُ تحت عنوان(تقرير) لـ(محمد معارج)، إلاّ أنَّ المادة الوثائقية قد جاءتْ بنكهة الفيلم الوثائقي القصير وتمَّتْ معالجة بداية (التقرير) بإسلوب الدراما الوثائقية( الديكو دراما)، وهو ما يُعد مدخلاً أو مفتتحاً فنياً ناجحاً، إضافةً إلى الاستخدام الذكي لطريقة المونتاج المتوازي بين الحديث الرسمي، لأحد مسؤولي شركة توزيع المنتجات النفطية، وبين حديث أحد أصحاب المعامل ومشكلة عدم وجود دعم من وزارة النفط لأصحاب المعامل، وقد قدَّمَ التقرير اللقاءين معاً بما فيهما من تناقض واختلاف من دون انحياز، لأيّ منهما بل ترك للمتلقي فرصة الوصول الى الحقيقة.
إنَّ أهم ما جاء في ( مدينة الدخان) كمادة وثائقية هو اللمسة الاجتماعية للعمال القادمين من محافظات العراق المختلفة، وروح التعاطف الإنساني مع بيئة العمل الصعبة للانسان المتعامل معها، وتبنّي معاناته، وتسليط الضوء على وجودِهِ وهو يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، رغم ما يستنشقهُ من هواءٍ مُلوَّث برذاذ الدخان الأسود.