الاستاذ عصام

اسرة ومجتمع 2019/01/29
...

شيماء عماد
اذكر سمرة بشرته وابتسامته وغمازتيه واناقته الراقية بألوانها الهادئة ... كانت هناك شامات صغيرة منثورة بكثرة على وجنتيه تزداد وضوحا بسبب لون شعره فحمي اللون ... صوته رخيم ووجه صبوح متسامح وثابت تحيطه هالة من الهيبة والوقار لم تتكرر امام عيني بهذا الكمال في اي شخص غريب آخر ... انه الاستاذ (عصام) المعلم في مدرسة الكاظمية  الابتدائية النموذجية ومشرف الصف الثاني الابتدائي (أ) الذي كنت اجلس في الرحلة الاولى من صف رحلاته اليمين.. كان الاستاذ عصام مسؤولا عن اغلب المواد الدراسية لنا وهموم طفولتنا التي كانت سعيدة جداً مقارنة بطفولة أبناء العراق اليوم . دخل في احد الأيام علينا وكنا نستعد لدرس الموسيقى وهو يحمل بيديه آلة كبيرة على حجم أجسادنا حينها ولكنها جميلة جداً لونها كان اسود وأحمر وشكلها يشبه «المهفة} !
 ركزت على ذلك الشيء انه يشبه شيئا كان بين ألعابي في البيت ولكن ماكنت أقتنيه صغيرا جداً مقارنة بهذه الالة العظيمة الكبيرة التي كان يحملها الاستاذ عصام ويدخل علينا للصف وقف وألقى التحية ولم يرد اي احد !عقولنا كانت في «المهفة}! هكذا كانت تبدو حسب مفهوم عقولنا طبعا ، قال من منكم يعرف ما هذه الالة ؟ بين محرجة وواثقة تأرجحت يدي الصغيرة نحو الأعلى مترددة ،، فقال نعم يا شيماء  قلت (أكارديون) !
قال ،،، اريد تصفيقا لشيماء (يوصل للعلم ) ، كان يوم الخميس والعلم مرفوعا في ساحة المدرسة وأبواب الصفوف مشروعة  مع نظرات عيوننا عليه في ذلك الزمن كان  العلم بألون احمر وابيض واسود وفيه ثلاث نجوم خضراء جميلة ماتغيرت هيبته وحبه داخلي باي تصميم كان او اصبح ، كان من يحصل على تصفيق يسمعه العلم يعني انه طال مجدا يكفيه فخرا بين الطلاب حتى اخر السنة الدراسية.
 بعد ان تلقيت التصفيق بفرح عميق قال اول من سيعزف على هذه الالة (شيماء) فتقدمت ثابتة الخطوة وهو يسترسل في توضيح معلومات عن الالة حملني لأجلس على مكتبة في الصف ووضع احزمة الأكتاف داخل ذراعي واحتضنت الالة وهو يمسك بها وبيدي الصغيرة وبدأ نغم عذب يصدر منها تصورت انني المسؤولة عنه ! والطلاب في ذهول ،أنهينا المقطوعة وعدت لرحلتي وانا احتضن فكرة هي ان (الاكارديون) في المدرسة حقيقي يصدر نغمات عظيمة اما الذي أملكه فهو (كذابي) لانه لايصدر هذا النغم ولم أدرك ان التفوق في العزف يعود للأستاذ عصام هكذا كانت قدراتي لفهم الأمور وانا طفلة في السابعة، سألني مرة اخرى وهو يجعل الطلاب تباعا يجربون الالة (ياشيماء كيف عرفتي اسم الالة ؟) قلت اني املك واحدة (كذابيه) في البيت ألعب بها .. طبعا ابتسم كعادته وتركني بقناعاتي البريئة لان الالة التي كنت املكها كان مخصصة للأطفال وحقيقية جداً ولكن اناملي كانت لا تجيد النغم. 
هذه الحكاية منذ 33 عاما، واحدة من حكايات كثيرة وذكريات ملونة احتفظ بها لاني اجتهد في الاحتفاظ بالطفلة داخلي وهذا سر من أسراري مازالت الطفلة داخلي نقية تبتهج بأبسط الألوان والمكافآت وكلما ركنت رأسي لذاكرة طفولتي اشعر باني أقوى وأكثر بريقا، فكلما كانت حياتك قاسية احتفظ بالطفل داخلك فعلى اختلاف ذكرياتنا ومنارات طفولتنا ابدأ من لحظات وأمنيات وابتسامات ستسعدك وتريحك وتجعلك اكثر قوة . 
 (الاكارديون) مازال في بيتنا في بغداد بلونه الأخضر الزيتي الداكن ومهفته الوردية اللون واحتفظ أيضاً برسمة له نفذها والدي لي وكانت مذهلة تشبه الحقيقية تماماً وكتب جنبها اكرديون شيماء العظيم . 
- الاستاذ عصام لا اعرف أين هو الان اقبل جبينه ان كان على قيد الحياة وان غادرها فدعواتي بالرحمة له لجزيل فضله وعظيم عطائه وعمق إخلاصه في تربيتنا وتعليمنا .
- أخيراً أتمنى ان يبقى الطفل داخلنا جميعا ونجتهد لأجله ونفرحه دائماً ونجعله مشرئب العنق عندما يصفق له الآخرون ويسمع العلم.