كاظم الحسن
لا يمكن تصور دولة في العالم، تعيش عزلة دولية قاسية وتخرج منها بلا آثار او تداعيات سلبية تمس الدولة، في مختلف مفاصلها، وهذا يعود الى أن الدولة كالفرد، كائن اجتماعي يتأثر بالوسط لذي يعيش فيه، بل ان الحياة الآن مع التطورات التقنية في كل مجالاتها،
لا تحتمل العزلة والتقوقع والانطوائية، فهذا يؤثر في دينامية الحياة ومدى تفاعلها مع متطلبات الديمومة الاجتماعية، وتواصلها مع العالم في كل معطياته الاقتصادية والصناعية والتنموية، ولنا ان ننظر الى ما أصاب العراق في زمن الحصار .
ومثال كوريا الشمالية ليس ببعيد، أما جارتها الجنوبية، تعد الآن من الدول الصناعية المتميزة،على مستوى العالم، هي سنة الحياة والتكابر في هذا المضمار لاجدوى منه، بل يؤدي الى مزيد من التخلف والتدهور والانحطاط، لذا تحرص الدول على الانفتاح بشكل أوسع على العالم .
الديمقراطية هي شكل من أشكال الانفتاح لانها تقدم الاقتصاد ومصالح شعبها على السياسة، ولذا فالدول الاكثر تقدما في العالم، هي الدول الديمقراطية فهي لا تتحارب في ما بينها، وعلى العكس منها الدول الاستبدادية، التي تقدم السياسة على الاقتصاد، وهذا ما يجني على شعوبها ويورثها الفقر والعوز والفاقة تحت ما يسمى الكرامة المزيفة، وهل يبقى مع الجوع كرامة؟ السؤال الذي يطرح نفسه وبشكل ملح، وهو لماذا تلجأ الدكتاتورية الى هذا الطريق الخطر الذي يدمر شعوبها؟ من مكونات الدكتاتورية الخطيرة، هي جنون العظمة والشعور بالتهديد من العالم الخارج، لأنه نظام غير شرعي ويستمد بقاءه من القوة والعدوان، ولذا يعمل على العزلة واقامة ستار حديدي، يفصل شعبه عن بقية شعوب الأرض، لأنه يعلم جيدا ان اتصال شعبه بالعالم سوف يقوض حكمه ويرى الفارق العظيم في المعيشة والحياة بين الاثنين.
من المعروف ان العزلة مع جنون العظمة تؤدي الى التوحش والهلوسة، لأن الدكتاتور لا يسمع سوى الهتافات والمديح ولا يقرأ غير الشعارات التي تمجده وتعده كائنا لا مثيل له، أنه الأوحد والضرورة وبطل الحرب والسلام وان الحياة بدأت مع قدومه الميمون. وهذا نوع من الهذيان يصاب به من يعتقد أنه وصل الى مرحلة التجلي، الذي تسقط عنه التكاليف ويصبح حرا في أعماله، ويفعل من دون حساب ساعة ما يشاء، ولذ ا قرار الحرب يكون بيده، بغض النظر عن مدى شرعية القرار الذي اتخذه، وحتى قرار السلام يتخذه في حالة الخسارة، ويعده نصرا عظيما، ولايأبه لمن حوله انه يعيش في حالة توحد مع ذاته ولا يسمع سوى ما يريد وما يحب .