عندما كان في التاسعة من عمره، نجا برنارد توماس بأعجوبة من كارثة انهيار كتلة من مخلفات العمل في منجم للفحم التي تحركت فجأة بفعل الأمطار الغزيرة باتجاه قرية أبرفان، وهي واحدة من أكبر المآسي في تاريخ مقاطعة ويلز البريطانية، تم انتشال بعض من الأطفال أحياء في موقع الحادث خلال الساعات الأولى من الانهيار ولكن بعد مرور وقت قصير لم يتمكن غيرهم من النجاة
وكان الطفل برنارد قد أخرج حياً من تحت أنقاض مدرسة بانتجلاس الابتدائية.
على الرغم من أنه كان قد تعافى جسدياً بعد مرور وقتٍ قصيرٍ على الكارثة، إلا أنه تعرض لمشكلات نفسيَّة لاحقاً مصدرها تداعيات ما بعد الصدمة إضافة إلى وفاة صديقه المقرب وقريبه في الحادث. أمضى برنارد بقية حياته في المنزل ذاته في قرية أبرفان، وحتى وفاته القريبة جراء إصابته بفيروس كورونا.
قتل في الحادثة التي سجلت وقائعها في أواخر شهر أكتوبر 1966 ما مجموعه 144 شخصاً، منهم 116 تلميذاً في المرحلة الابتدائية بعد انزلاق آلاف الأطنان من طين الفحم وهي من بعض مخلفات عمليات التنجيم كانت قد جمعت بأكوام في منحدرات التلال المحيطة بالقرية.
إلى وقت قريب وفي مقابلة إذاعية في الذكرى الخمسين للكارثة، كان السيد توماس وصف للمستمعين استمرار معاناته من مضاعفات ما بعد الصدمة، مؤكداً أنه «ما زال يسمع أصوات صراخ الأطفال الذين دفنوا في الانهيار».
وحتى بعد انقضاء تلك العقود الطويلة على حادثة أبرفان، كانت ذاكرة برنارد ما زالت حاضرة في استعادة تفاصيلها المحزنة فكان يخبر المقربين منه أحياناً بالأسئلة التي طالما دارت في رأسه وهو يفكر بمصير أقرانه البائس، (ترى ماذا لو قدر لهم العيش وتسنى لهم إكمال مراحل دراستهم فتزوجوا ورزقوا بأبناء؟). وعندما كان يلتقي مصادفة بأحد أفراد أسرة فقدت أحد أبنائها في الحي القريب على محل سكنه، كان يقول في نفسه: «لماذا أنا بالذات.. لماذا ما زلت على قيد الحياة». كُتب في سجله الصحي في طفولته، أنه كان يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة ومن المرجح تعرضه مستقبلاً لمشكلات في الدراسة والعمل، وهذا ما حدث بشكلٍ ما عبر سنوات حياته. عانى برنارد توماس (63 عاماَ) في الشهر الماضي من مضاعفات إصابته بفايروس كورونا، وعلى الرغم من أنه في إحدى مراحل علاجه في المستشفى كان يستعين بقناع الأوكسجين إلا أنه كان يتحسن تدريجياً ويتحدث مع أحد أفراد أسرته بانتظام عبر الهاتف، لكنَّ حالته ساءت في يوم وفاته بعد أنْ اضطر لإزاحة قناع الأوكسجين بصورة مؤقتة ليتمكن من تناول وجبة الإفطار، ما أدى إلى تدهور حالته خلال دقائق قصيرة.
لم تكن نجاة برنارد طفلاً من حادثة أبرفان قد أعفته من اجترار أحزانه على مدى خمسين عاماً وأكثر، وها هو يختتم رحلته في طريقها الوعر بمصادفة غير سعيدة؛ فقد خيم على لحظاته الأخيرة وباء كورونا وكانت المسافة بينهما مجرد دقائق قليلة، هي الدقائق ذاتها التي انتشلت جسده ذات صباح آخر مشؤوم من تحت ركام مدرسته الابتدائية. لعله قد تحرر أخيراً من سماع أصوات صراخ أصدقائه واستغاثة أجسادهم الصغيرة التي حشرت تحت الأنقاض.