حارث رسمي الهيتي
تكمن أهمية الأحداث الكبيرة والمفصلية بما تحققه لاحقاً، رغم أن بعض تجليات هذه الأحداث قد لا تبدو ظاهرة للعيان، الا أنها تشكّل بطبيعتها عاملاً مباشراً لأحداث لاحقة، بل من الممكن اعتبارها محركاً فاعلاً، لا يمكن له أن يغادر المتن إلى الهامش، وهنا أجزم بأن (تشرين) تنطبق عليها ما
تقدم.
ومن أخطر ما حققته تشرين - على التحالف الطبقي الحاكم – هو اقتحام المجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعية وانتماءاته الفرعية للمجال العام، هذا المجال الذي احتكرته الطبقة السياسية منذ 2003 ولحين انطلاق تشرين والحديث هنا عن أحزاب وائتلافات بعينها، بل حاولت هذه الأخيرة أن تجهض بكل طريقة توفرت لها كل محاولة لولادة فاعل سياسي جديد، معتقدةً أنه سيزاحمها في التصدي للشأن العام، بوصفه حكراً لها وكأنها– الطبقة السياسية هذه- جاءت بتفويض إلهي!.
واحدة من فضائل ما بعد تشرين، هي محاولة الجميع – كمنتفضين ومحتجين- في تنظيم أنفسهم وتأطير جهودهم لتشكيل أحزاب سياسية جديدة، غير تلك الأحزاب التقليدية الحاكمة، وهنا لا أحد باستطاعته أن ينكر أن جميع هذه الأحزاب الجديدة، بعيدة عن تأثيرات الأحزاب القديمة إن لم تكن بعضها تمثّل واجهات وفعاليات انتخابية للأحزاب القديمة المهيمنة، لكن لا يعني هذا بأي شكلٍ من الأشكال معاداة الفكرة من حيث المبدأ. خطوة مهمة مثل هذه بحد ذاتها تمثل نقلة نوعية طالما انتظرناها، بعد أن تم الترويج وعن قصدٍ مفرط لمعاداة الحياة الحزبية والتنظيم الحزبي وتصديره، وكأن الحياة الحزبية هي بالمحصلة النهائية ستؤدي الى سيطرة الحزب الواحد وإعادة نموذج البعث الفاشي الى
الواجهة.
يتفق الجميع على أن لا ديمقراطية بلا حياة حزبية، وعلينا أن نرتب ونشذّب العمل الحزبي وننتظر بعدها أجواء من الحياة الحزبية الحقيقية، لا أن نوظف أقلامنا وجهدنا في حملات تسقيط جماعية تطول الصالح والطالح.
درسٌ آخر تقدمه تشرين هذه المرة، مفاده بأن الشباب المحتج هذه المرة لم ينتظر أن يطرح البديل نفسه، بل سارعوا الى صناعة بديل أتمنى أن يحظى بملاحظاتنا الايجابية لتقويمه لا تسقيطه كي يكون بديلاً عن يليق بنا.