المتن والهامش في أثرنا العربي

ثقافة 2021/01/22
...

 طالب عبد العزيز
 
أعتقدُ بأنَّ تداول مفهوم الهامش والمتن في تراثنا العربي، وحتى وقت قريب، كان محصوراً في كتب اللغة 
والنحو والحديث، ولم تتسع دائرةُ تداوله في مباحث 
النقد والثقافة والسياسة إلا في حدود ضيقة، على الرغم من وجوده، لكنه اكتسب تداولاً واسعاً، في الربع 
الاخير من القرن الماضي، وشاع في ثقافتنا كثيراً 
اليوم، متأثراً بمفاهيم فكرية مترجمة عن لغات أخر، حدَّ تداوله في علوم مجاورة، مثل الاجتماع والفكر 
وغيرها.
 ومثل أي ثقافة حيّة، فقد عرف المؤلف العربي آلية صناعة أمهات الكتاب، بمتن وحاشية، والمتن عندهم هو النصُّ الاساس، والهامش أو الحاشية، هو، أيّ فكرة، أو فقرة، مُتصلة اتصالاً مباشرًا بالنصِّ الاساس، لكنَّ 
جمهور القراء العرب ظلوا غير معنيين بالحاشية، إلا في حدود إيضاح الفكرة، وظنوا أنَّ الهامش درجةٌ دنيا في سلّم المعرفة، الأمر الذي انسحب على وعي الكثير منهم، بما جعلهم يشيحون عنه بأبصارهم، لاعتقادهم بانه ليس مهماً في اكمال الفكرة الاساس، آيتهم في ذلك، 
بانه لو كان ذا اهمية لوضعه صاحبُه في المتن، وقد فاتهم إثر ذلك الكثير 
مما يتوجب عليهم معرفته 
والاحاطة به.
 وفي قراءاتنا المتعجلة هناك اسماء كبيرة مضيئة، لم نتوقف عندها، مأخوذين بما في المتن من قول ومعلومة وبُهرج، ولعلنا حفظنا عن ظهر قلب اسماء خلفاء وامراء وشعراء وسواهم، بفعل ما تم تداوله في متون الكتب، التي قراناها، فيما غابت عنا اسماء ووقائع كثيرة، كانت قد وردت في حواشي وهوامش الكتب تلك، الأمر الذي انسحب على مفاصل كثيرة في ما نقرأ ونتصفح. 
وأذكر أنني لم أعبأ بــ (ديوان الصبابة) لشهاب الدين بن أبي حجلة المغربي المنشور كحاشية على كتاب (تزيين الاسواق في تفصيل محاسن العشاق لداوود الانطاكي) طبع بالقاهرة سنة 1308 هجرية، باعتقاد منّي على أنه حاشية للكتاب.
 في القرون العربية الأخيرة كانت قضية الهامش قد تمكنت من وعي الباحث العربي، فصرنا نقرأ كتباً مستقلةً عن حياة الناس، بعد أن كانت مقتصرة على الحياة داخل قصور الملوك والامراء، ولعل كتاب (العامّة في بغداد) لفهمي عبد الرزاق سعد، يُرشدنا الى حياة البغداديين في القرنين الثالث والرابع الهجريين بعيداً عن حياة الخلفاء العباسيين، الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس. 
ما يهمنا هنا، هو أننا بحاجة حقيقية إلى فحص 
الهوامش والحواشي المنقوشة بالأحرف الباهتة، أسفل متننا العربي المكتوب، فهناك الكثير مما يستحق تأمله والتوقف عنده، فلربما كان المتن خادعاً، وربما كانت الحاشية 
صادقة.