الأمراض المعدية الجديدة مخيفة. إنها
ترعبنا لأنها مجهولة ولا يمكن التنبؤ بها. لاقى التفشي المستمر لفيروس كورونا المستجد اهتماما إعلاميًا واسعا، وتغطية يمكن أن تخبرنا بالكثير عن مدى قدرة الشك وعدم اليقين، في مواجهة مثل هذا الوباء، على إثارة الخوف بسهولة.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كنت أدرس دور العواطف في الصحافة، بما فيها تغطية الكوارث والأزمات. تُعدّ التغطية الإعلامية ذات أهمية جوهرية في محادثاتنا المشتركة وتلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم مشاعرنا، ومن ضمنها الخوف. وفي حين أن الخوف هو عاطفة نشعر بها كثيرًا كأفراد، إلا أنه يمكن أن يكون أيضًا عاطفة مشتركة واجتماعية، عاطفة تنتشر عبر الجماعات والمجتمعات وتشكل ردود أفعالنا تجاه الأحداث الجارية. مثل بقية المشاعر الأخرى، فالخوف معدٍ ويمكن أن يتفشّى بسرعة.
تحدد التغطية الإعلامية أجندة النقاش العام. في حين أن الأخبار لا تخبرنا بالضرورة بماذا نفكر، إلاّ أنها تخبرنا بما علينا التفكير بشأنه. وبذلك، تشير الأخبار إلى القضايا التي تستحق اهتمامنا. تظهر الأبحاث باستمرار أنه عندما تحظى القضايا بتغطية إعلامية مكثفة وتكون بارزة في أجندة الأخبار، فإنها تصبح أيضًا أكثر أهمية من قبل أفراد الجمهور.
التفشّي الحالي كان أكثر بروزاً في التغطية الإعلامية من الأوبئة السابقة، بما في ذلك «الإيبولا». فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة في مجلة «تايم» أن المقالات المنشورة في الأخبار التي غطت تفشي الفيروس التاجي في شهره الأول، أكثر 23 مرة مقارنة بالفترة الزمنية نفسها لوباء «الإيبولا» في عام 2018.
«الفيروس القاتل»
يشير بحثي الخاص إلى أن الخوف لعب دورًا حيويًا بشكل خاص في تغطية تفشي الفيروس التاجي. منذ أن بدأت التقارير في الانتشار حول المرض الغامض الجديد في 12 يناير، وحتى 13 فبراير 2020، قمت بتتبع التقارير في الصحف الرئيسية الناطقة بالإنجليزية حول العالم، مستخدمة قاعدة بيانات LexisNexis UK. وهذا يشمل ما يقارب 100 صحيفة واسعة الانتشار من جميع أنحاء العالم، والتي نشرت مجتمعة 9.387 مقالة حول تفشي المرض. من بين هذه المقالات، ذكرت 1.066 مقالة مفردة «خوف» أو مفردات ذات صلة، بما فيها «خائف».
غالبًا ما تستخدم مثل هذه المقالات لغة مرعبة أخرى، على سبيل المثال، استخدمت 50 مقالة عبارة «الفيروس القاتل». إحدى المقالات في صحيفة «التلغراف» كانت نموذجية في استخدام هذه اللغة التي تثير الخوف، في وصفها للمَشاهد على الأرض في ووهان، والتي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي:
مرضى يرتدون أقنعة ويغمى عليهم في الشوارع. مئات المواطنين الخائفين يصطفون متلاصقين، معرضين بعضهم البعض لخطر الإصابة بالعدوى، في ممرات المستشفى الضيقة بينما ينتظرون العلاج من أطباء ببدلات بيضاء منيعة. ثمة مسعف متوتر يصرخ بالتياع. صحف التابلويد، أمثال «ذا صن» و»ديلي ميل»، كانت كما يبدو أكثر ميلاً لاستخدام لغة تثير الخوف. على سبيل المثال، تشير مدونة «ذا صن» المتابعة للفيروس التاجي بشكل روتيني إلى الفيروس على أنه «مرض قاتل».
قدّمت العديد من المقالات جوانب محلية من خلال الإبلاغ عن المخاوف في المناطق المحلية المتأثرة بالتفشي. في المملكة المتحدة، أدى ذلك إلى التركيز بشكل خاص على مدينة برايتون، حيث تم الإبلاغ عن العديد من الحالات. على سبيل المثال، أفادت مقالة في صحيفة «التايمز»:
«إن الأحاديث عن زجاجات صغيرة الحجم من معقم اليدين المضاد للجراثيم عادة ما تكون بعيدة كل البعد عن ثرثرة الحانات في وقت الغداء. ومع ذلك، فهكذا كان القلق من الفيروس التاجي لأن السكان المحليين في غرينادير هوف اعترفوا من دون تردد أمس بتغيير روتينهم اليومي في غسل اليدين».
تقارير أخرى قامت بموضعة المقال من خلال مناقشة التأثير على الشركات المملوكة للصين. ذكرت صحيفة «أخبار مانشستر المسائية»، على سبيل المثال، أن: «الخوف من فيروس كورونا ضرب الشركات بشدة، حيث أبلغ البعض عن انخفاض بنسبة 50 بالمئة من الزبائن منذ تفشي المرض. كما أبلغ سكان مانشستر الصينيين عن تعرضهم للمزيد من الإساءات العنصرية».
على النقيض من ذلك، سعى عدد من المقالات إلى تهدئة المخاوف وإعادة الطمأنينة. على سبيل المثال، نُقل عن رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ تحذيره، الذي اقتُبس على نطاق واسع، بشأن الذعر:
«يمكن أن يجعلنا الخوف نشعر بالذعر، أو القيام بأشياء تجعل الأمور أسوأ، مثل تداول الشائعات عبر الإنترنت، أو تخزين كمامات الوجه والطعام، أو إلقاء اللوم على جماعات معينة في تفشي المرض».
الخوف يمكن أن يكون مُعدياً
تظهر الأبحاث حول تغطية حالات تفشي الأمراض المبكرة تركيزًا مشابهًا على الخوف. في حالة وباء السارس في عام 2003، وجدت دراسة أجراها المؤرخ باتريك واليس وخبيرة اللسانيات بريجيت نيرليش أن «الاستعارة المفاهيمية الرئيسية المستخدمة كانت السارس كقاتل».
على ذات المنوال، قام باحثان في الإعلام، بيتر فاسترمان ونيل رويغروك، بدراسة تغطية وباء إنفلونزا الخنازير في هولندا، ووجدا أنها تميزت بالنبرة «المقلقة». مثل الفيروس التاجي، اتسمت تلك التفشيات التاريخية بعدم اليقين، وولّدت الخوف والذعر.
لوضع هذه الملاحظات في منظورها الصحيح، من المفيد النظر إلى مقارنة بتغطية الإنفلونزا الموسمية، والتي تقدّر منظمة الصحة العالمية أنها تقتل من 290.000 إلى 650.000 شخص حول العالم كل عام. منذ 12 يناير 2020، نشرت الصحف العالمية 488 مقالة فقط عن الأنفلونزا الموسمية من دون ذكر الفيروس التاجي.
في تناقض حاد مع تغطية هذا الفيروس التاجي المستجد، فقد ذكرت أقل من واحدة من كل عشر مقالات عن الإنفلونزا (37 من أصل 488) مفردة «الخوف» أو عبارات مماثلة.
يشير بروز الخوف كموضوعة في تقارير الفيروس التاجي إلى أن الكثير من تغطيات تفشّي الأوبئة كانت بالأحرى انعكاساً للخوف العام أكثر من كونها إعلاماً بما يحدث بالفعل في ما يتعلّق بانتشار الفيروس.
ربما يكون الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت قد غالى في القضية حينما قال على نحو معروف: إن «الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه». ومع ذلك، ففي زمن يزخر بالمعلومات المضللة والأخبار المزيفة ونظريات المؤامرة، من المفيد أن نبقى متيقظين لمخاطر هذه المشاعر المُعدية في مواجهة حالة عدم اليقين.
The Conversation
* كارين وال جورجينسن: بروفسورة ومديرة تطوير البحوث والبيئة في كلية الصحافة، جامعة كارديف، ويلز.