نهى الصراف
«انتهت حلول الأرض والأمر متروكٌ للسماء». كانت المقولة المزيفة الأبرز التي تداولتها مجتمعات التواصل الاجتماعي ونسبتها لرئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، إبان الأزمة الصحيَّة التي واجهتها بلاده في بداية مراحل انتشار وباء كورونا العام الماضي.
هذه المقولة تستثمر الآن بصورة جديَّة وفي أماكن متعدد من العالم من قبل أشخاص عملهم الوحيد هو أنهم يدعون استدلالهم بالأحوال الفلكيَّة لتفسير ما يحدث على الأرض، فمن وجهة نظرهم ترتبط حركة النجوم، غروبها، افتراقها واقترانها بما يقع للإنسان من أحداثٍ ومنعطفات في حياته ارتباط الأثر بالمؤثر.
في الأيام الأولى من شهر كانون الثاني الحالي، وكعادتهم في مثل هذه الأوقات من بداية العام الميلادي ينشغل هؤلاء برسم الخطوط العريضة لملامح شهور السنة المقبلة بالتوافق مع كواكب المجموعة الشمسيَّة وحركة الأبراج بحسب تاريخ ميلاد الأشخاص، إضافة إلى ذلك تستعرض التنبؤات أحداثاً عامة حيث يعدُّ اقتران كوكب مع آخر ، مثلاً، مناسبة لوقوع أزمات اقتصاديَّة أو كوارث طبيعيَّة، هكذا يعزف المنجمون على الأوتار الحساسة وكأنَّ الأزمات الاقتصادية والكوارث لا تحدث إلا بأمرهم.
لا يكتفي كاشفو الطالع بجذب اهتمام الجمهور بقدر تعلق الأمر بالرغبة في معرفة خبايا المستقبل، بل أنهم يغدقون على كلماتهم بعضاً من سحر الغموض بادعاء التفوق المعرفي، خاصة ما يتعلق منه بأمور علميَّة تقع خارج إطار تداول عامة الناس خاصة البسطاء منهم. في هذا الإطار، يمكن أنْ نقرأ تصريحاً لأحد المنجمين في مجلة فنية (مرموقة) وهو يؤكد بثقة مطلقة بأنَّ «أورانوس المقترن بكوكب المشتري سيدفع بعض الأبراج للتعامل مع المواقف الجديدة بشكلٍ سلبي، حتى أنَّ البعض منا قد يتبنى مواقف استبداديَّة، لكننا – لحسن الحظ- سنقاوم بعنادٍ لتحقيق أهدافنا في حياتنا الشخصيَّة، على الرغم من العقبات على طول الطريق».
عجباً، ومتى كان الطريق بدون عقبات، ومتى تخلى الناس عن المطاولة لتحقيق أهدافهم الشخصيَّة؟
المثير للسخرية حقاً هو أنْ يخرج لنا بعض هؤلاء وفي أوراقهم تحذيرات من أنَّ العام المقبل سيكون هو الأسوأ في حياتنا، ولنا أنْ نتصور كيف سيؤثر مثل هذا الخبر في صاحب الطالع الذي دفعه سوء تقديره أنْ يعمل قائداً لطائرة مدنيَّة، بطريقة لا تمكنه من مواجهة رسوم قدره في إحدى طلعاته المقبلة.. وبطبيعة الحال فإنَّ المصير ذاته لا يختلف عندما يشاركه فيه ركاب الطائرة، الذين لم تؤاتيهم الفرصة لقراءة حظوظهم في صحيفة الصباح.. هذه المزحة تصلح لنهاية يومٍ مغمورٍ بالعمل الشاق، فقد يترك المرء العنان لمسؤولياته وانشغالاته اليوميَّة للدرجة التي لا تتاح له فيها فرصة مطالعة سير النجوم والكواكب واحتدام معاركهم الكونيَّة على تقويم حياته، وهذا أمرٌ مفيدٌ بحد ذاته.
لكن هنالك دائماً بعض المبالغات التي تذهب بعيداً بحسب ما تمليه عليه مخيلة البعض، حتى يتجاوز الأمر حدود التكهنات والترميز بين عمل النجوم ومستقبل الأفراد، إلى انتظار الإذن من المنجمين أنفسهم، بصرف النظر عن مستوى الخداع الذي يمارسونه على الناس، للبت في قرارات الحياة المصيريَّة. إلى ذلك، لم يتردد إعلامي عربي في لعب دور الوسيط في الضحك على ذقون البسطاء، هذا الإعلامي الذي يدفع متابعيه إثر كل ساعة متابعة لبرنامجه بالسطو على أغلب مخزون حبوب الصداع في المنزل، بسبب صراخه وانفعاله المتواصل وهو يتحدث مع ضيوف برنامجه عبر الأثير، قرر أخيراً أنْ يتحلى بالهدوء وهو يطرح سؤالاً مصيرياً على أسماع منجمته المفضلة وكأنه يتوسلها قائلاً: «هل سنأخذ لقاح كورونا أم لا؟ ماذا تخبرك النجوم هذا اليوم»؟