في انتظار المستقبل...

منصة 2021/01/24
...

  ميادة سفر
​يرتبط النظر إلى المستقبل بالواقع الذي تحياه الشعوب، وأحياناً بالماضي الذي أوصلها إلى ما هي عليه، والظروف المحيطة بها والتي تبني عليها مخططاتها المستقبليَّة، حيث تتحول حيواتهم إلى محطات انتظار في قطار يتأرجح بمن لا يملك أرضية ثابتة، تتقاذفها أحوال وأحداث تتحكم بحاضرهم وغدهم المنتظر وغير الواضح المعالم في معظم الأوقات، لا سيما لدى الشعوب المستلبة كحال الشعوب العربية التي تتأسس نظرتها إلى المستقبل ضمن مجموعة من الشروط التي تعيش فيها وضمنها، بالمعنى السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي. 
 ​هذه الأرضية التي تؤسس لحياة ومستقبل الشعوب في كل الدول، وإذا ما نظرنا إليها بعين واقعيَّة مبنيَّة على الظروف المحيطة، نرى أنه من الطبيعي والأكيد أنّ الشعوب العربية بسوادها الأعظم لا تملك رؤية واضحة المعالم لمستقبلها، بل على العكس تماماً لديها رؤية قلقة ومتوجسة ومترقبة، لأنَّ الحاضر الراهن الذي تعيش في كنفه وظله لا يشي بأي أمل بملامح مستقبل واعد سواء على صعيد الأفراد أو المجتمعات، فهي تعيش ومنذ عقودٍ حالة من التقهقر والتراجع والخذلان وكثير من الخيبات على جميع الصعد السياسيَّة منها والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى الأخلاقيَّة.
​سياسياً هناك تراجعٌ واضحٌ في غالبيَّة الدول العربية، فلا حريات ولا ديمقراطيات تتناسب ومعطيات ومتطلبات الراهن المعاصر، يمكن أنْ يعول عليها للنهوض بأحوال البلاد، فضلاً عن الواقع الأمني الهش والمقلق بما فيه من حروب واقتتال وتدمير، دفع بالكثير من الشباب العربي إلى التفكير بالهجرة والبحث عن مستقبلهم في بلاد أخرى أكثر رخاءً وأماناً. 
​هذا الواقع انعكس سلباً على الحياة الاقتصاديَّة، فلا وجود لنمو اقتصادي يمكنه أنْ يحفزّ على العمل من أجل المستقبل، بل ازدادت نسبة البطالة لا سيما في البلاد التي تعرضت للحروب والحصار الاقتصادي وما تبعه من تدمير للبنى التحتية والمنشآت الحيويَّة ومصادر الطاقة والموارد الطبيعيَّة، واستنزافها من قبل مجموعات ودول داعمة حرمت منها الحكومات والشعوب على حدٍ سواء. 
​من جانب آخر وبينما تسعى الحكومات منذ عقود لمكافحة الفساد، تزداد نسبه طرداً مع تعالي أصوات الحكومات والمسؤولين بمكافحته والقضاء عليه، فلا تراجع في نسبة الفساد ولا إجراءات عملية وفعالة لمكافحته، بل إنّ الواقع يشي بتزايده سواء بين الأفراد أو في المؤسسات، في خط بياني متصاعد لا ينبئ بقرب التوصل إلى حلولٍ ناجعة في هذا المجال. 
​أما على المستوى الثقافي، فالمشتغلون والمهتمون في هذا المجال يتلمسون الوضع الكارثي والتراجع الذي لامس هذا الجانب الذي كان مشرقاً يوماً ما، لكنّ الانسياق وراء التفاهات والتسطيح والشهرة السريعة، وصل به إلى واقع مقلق من تشويه وتلويث للفكر والعقل وبالتالي تصير الضبابيَّة صفة ملازمة لأي مشروع ثقافي مستقبلي!.. هذا فضلاً عن الفوضى في المنظومة الأخلاقية والاجتماعية التي تحياها الشعوب العربية لا سيما فئة الشباب، التي لم تعد تجد مرجعيات تهتدي بها، وليس لديها ملامح واضحة للسلوك الأخلاقي، مع الانفتاح المعولم وغير المنضبط الذي أُدخل بشكل عشوائي إلى المجتمعات. 
​كل تلك الأحوال مترابطة بعضها ببعض بكل الجوانب التي أشرنا إليها، فلا يمكن ونحن نتحدث عن استشراف المستقبل، أنْ نفصل أياً منها عن الآخر، فالسياسي يلقي بظلاله على الاقتصادي وهذا على الاجتماعي وهكذا حتى يتحول الأمل بالمستقبل إلى ضرب من الخيال لدى الكثير ممن يعيشون في هذه البقعة الجغرافية من الأرض.​وطالما كان الواقع الراهن المعاصر الذي تعيشه الشعوب العربيَّة على هذه الحال من البؤس، فمن أين ستأتي النظرة المتفائلة تجاه المستقبل؟!.. إذ لا ضوء يلوح في آخر النفق المظلم الذي أدخلت فيه هذي الشعوب.. لا شك في أنَّ واقع الحال يستدعي اللجوء إلى حلولٍ جذرية وشاملة وحاسمة تسير بنا نحو المستقبل بدل انتظاره مكتوفي الأيدي!. ​قبل سنوات ليست طويلة، وحينما أطلق الراحل سعد الله ونوس صيحته الشهيرة: «محكومون بالأمل»، تلقفناها جميعاً وتحولت إلى ما يشبه تميمة!.. اليوم، يبدو السؤال لحوحاً ومشروعاً: هل من أمل؟!!.