إذا اعتبرنا البيت نصًا، كما هو متعارف عليه مع المدينة من أنها نص، علينا أن نتهجى حروف بيوتنا كي نفهم طرائق العيش فيها. لكل بيت أبجديته الخاصة، ولاتتشابه أبجديات البيوت إلا بعموميتها، اما خصوصياتها فتكسبها من هوية ساكنيها، فبيت القصب له أبجدية مختلفة عن بيت الطين، وكلاهما مختلف عن أبجدية بيت الآجر والأسمنت، والبيت الصغير له أبجدية مكثفة على العكس من البيت الواسع الكبير، والبيت في مركز المدينة له أبجدية مختلفة عن البيت في ضواحي المدينة، والبيت وسط البساتين والحدائق تختلف أبجديته عن البيت في الصحراء وعن بيت القصب في الأهوار وقيعان الماء، وهكذا فالأمكنة وهوية الساكنين تعطي للبيوت أبجديات مضافة على أبجدياتها الأساسية التي تعينها بيوتا، رحمية خلقت للعيش والسكن والعلاقات الأسرية، وارتبطت بمنظومة اخلاقية واجتماعية طبعت خصوصيتها وهويتها ومكانتها ودورها في البنية العامة للقرية، للبلدة، للمدينة، للبادية،
وللمزرعة.
بداية علينا أن نفهم أن البيت له ابجديتان: واحدة طبيعية تقرأ فيها مكوناته الأنثروبولوجية من انه مكان للسكن، اي ثمة علاقة ما برحميته الطبيعية، وهذه الميزة تؤلف حروفا لأبجديته يمكن لأي ساكن منسجم مع الطبيعة التعرف عليها والنطق بها، لكن البيت الذي يبنى في الاهوار من القصباء له ابجدية ثانية فضلا عن تلك، وهي العلاقات التي تنشأ مع البيئة والحيوانات والطبيعة وطرائق العمل والفضاء والمكان والاتصالات، ووسائط النقل، هي الأبجدية الاقتصادية، كذلك البيت الريفي الذي يبنى في البلدات المحاذية للمدن والذي يتسم إما بعشوائية او تخطيطات عامة، يمتلك هو الآخر الابجديتين، وإذا ما جئنا لبيت المدينة وتشكيلاته المعمارية سنجد الأبجدية الثانية أكثر تعقيدًا لأنها ناتج لعلاقات المدينة وطرائق التعامل والبنى الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن أنها مبنية وفق خرائط ومواد صناعية مختلفة عن بيوت الطين والقصبن وأن لها تنظيمات فضائية تنظم أحيازها وأشكالها ووظائف مفرداتها، ولذلك لا تجد أبجدية بيت المدينة إلا في سياق الحداثة وما بعد الحداثة حيث التداخل بين هويته كبيت ووظائفه ضمن وظائف الحي والمدينة، ولذلك يصعب على المهاجر من الريف إلى المدينة فهم أبجديات البيت المديني بينما يكون البيت القروي مختزلا لساكن المدينة لغة ومادة ووظيفة يمكنه التعامل معه كجزء من رومانسية
الطبيعة.
أبجدية البيت القروي محددة، لا تكاد تختلف بين قرية وأخرى، حتى لو كانت مائية أو جبلية، الاقتصاد والتركيز تحدده وظائفه حيث الحيز الصغير يمكنه ان يكون مطبخا ومكانا للنوم وفسحة للعب وجلسة جماعية، عندما تتداخل الوظائف تتداخل الأبجديات وتقل الكلمات وتختصر المسافات، ويصبح منظومة يمكن قراءتها والتعامل المثالي معها. بينما يكون بيت المدينة فضلا عما يضيفه موقعه من أبجدية أخرى يكون مشحونا بحروفه الجديدة وكلماته المبهمة، فاختصاص أحياز البيت المدينية تجعله فصولا في كتاب البيت المديني. وهكذا لا نجد لغة للبيت بأبجدية مكتملة، كلما اتسع وتنوع وتغيرت أحيازه تغيرت وظائفه وتنوعت أبجديته وخلق نصه الذي لايشبه أي نص آخر. وعلينا كي نطمئن إلى آلية العيش في بيوتنا أن نكون مسلحين بأبجدية البيوت التي نبنيها أو نسكنها أو نلجأ إليها مؤقتا، فالبيت تقرؤه ككتاب يمكن أن يغلق صفحاته عن عينيك إذا حسبته بأبجدية متشابهة مع البيوت الأخرى. ففي كل بداية نهار عليك أن تعيد أصواتك الهجائية
لبيتك.