الإنترنت المحمول.. ثورة جديدة في كوبا

علوم وتكنلوجيا 2021/01/25
...

 هافانا: أ ف ب
منذ إدخالها إلى كوبا قبل عامين، بدّلت شبكة الإنترنت المحمول الحياة اليومية لكثيرين، مع تأثيرات تطال شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية في بلد لا يزال كثير من سكانه يتجنبون المجاهرة بأفكارهم خشية التعرض للعقاب. في تشرين الثاني الفائت، نفذت مجموعة فنانين وأساتذة جامعيين لم تكن معروفة لدى العامة تحمل اسم «حركة سان إيسيدرو»، اعتصاما استمر عشرة أيام مع إضراب بعض منهم عن الطعام، تخطت تردداته حدود الجزيرة وصولا إلى واشنطن.وقبل فض الشرطة للاعتصام، كان ألفا مستخدم يتابعون مباشرة الأحاديث التي دارت بين هؤلاء الناشطين الـ14 وأطباء أتوا لمعاينتهم.
حرية التعبير
وفي اليوم التالي، ومع انتشار الصور والرسائل من قلب الاعتصام عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تجمع نحو 300 فنان، بعضهم معروفون، بصورة عفوية قبالة مقر وزارة الثقافة للمطالبة بتعزيز حرية التعبير، في تحرك غير مسبوق في تاريخ كوبا الحديث.
ففي هذه الجزيرة، قلما يجري الإعلان مسبقاً عن مواعيد للتظاهر، كما أنَّ أي محاولة في هذا المجال تصطدم بطوق أمني مشدد من السلطات. لكن هذا التحرك كان مباغتا للسلطات.
قبل نشر شبكة الإنترنت المحمول في كوبا في كانون الأول 2018، لم يكن الولوج إلى الخدمات الإلكترونية منذ إتاحتها سنة 2015، ممكناً سوى من خلال أجهزة إرسال للإنترنت اللاسلكي مقامة في المتنزهات أو الساحات العامة. وكان أشخاص كثر يتشاركون الاتصال بالشبكة في هذه المواقع خصوصاً في فترات العصر ما يؤدي إلى بطء كبير وتقطّع في الخدمة.
غير أن هذه الصورة باتت من الماضي، فمع شبكة الجيل الثالث ثم الجيل الرابع، يستخدم 11,2 مليون نسمة في كوبا الإنترنت عبر هواتفهم راهناً.
وتقول مارتا إن انتشار الإنترنت المحمول دعمها في نشاطها التجاري في خدمة توصيل الطعام. أما ياسر فقد نجح في إنشاء مجتمع من سائقي الدراجات الهوائية عبر الإنترنت، فيما ذاقت كاميلا طعم الحرية لكن ما نشرته جلب لها المتاعب.
 
«طبيعي جداً»
وتقول مارتا ديوس (32 عاما) صاحبة شركة «مانداو» لتوصيل الطعام «بوضوح، غيّر ذلك حياتنا، يبدو ذلك لنا طبيعيا جدا. أحيانا أستذكر أن كل هذا لم يكن موجودا عندنا قبل عامين وأقول (كيف كان ذلك ممكنا؟)».
وفي هذه الجزيرة حيث يشكّل انقطاع المنتجات تحديا دائما للسكان، باتت المجموعات عبر «واتساب» و»تلغرام» ممراً إلزامياً للبحث عن الأطعمة أو الوقود.
وتتيح مجموعات بيع المنتجات أو مقايضتها بين الأفراد، كما يسمح للكوبيين إيجاد الأدوية المقطوعة من الصيدليات، بعدما كان الكوبيون يعتمدون على ما يسمعونه من أخبار متداولة لإيجاد ضالتهم. ويوضح ريكاردو توريس أستاذ الاقتصاد في جامعة هافانا «بات إيجاد شخص يملك أمرا أحتاج إليه أمرا أسهل بكثير، فمن دون هذه المجموعات لكان ذلك مستحيلا وكان يتعين الاعتماد على الصدفة». وقد رافقت الدولة الكوبية هذه الحركة من خلال إنشاء تطبيقات لتحويل الأموال أو دفع الفواتير وموقع للتسوق الإلكتروني.
وقد أسهم انتشار الإنترنت المحمول في تعزيز مبادرات المجتمع المدني، كما حصل في الحملات التي نظمها سكان عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتقديم مساعدات طارئة للمتضررين جراء الإعصار الذي ضرب البلاد في كانون الثاني 2019، من دون انتظار تحرك الدولة كما كان يحصل سابقا.
واضطرت الحكومة أحيانا إلى تفعيل مجموعات عمل في ظل التعبئة الإلكترونية حيال قضايا مختلفة بينها العنف ضد النساء أو مسائل مرتبطة بالرفق بالحيوانات، وهو موضوع قانون قيد النقاش في البلاد حاليا.
 
الرئيس على «تويتر»
وقد جعل الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل، الموجود في السلطة منذ 2018، من تعزيز انتشار خدمات المعلوماتية في كوبا أولوية لحكومته، وهو فتح خصوصا حسابا على «تويتر». ولا يتوانى بعض الكوبيين عن انتقاد رئيسهم مباشرة عبر حسابه الخاص أو حتى شتمه، متسترين غالبا خلف حسابات وهمية.
ومن بين هؤلاء، توجه ياسر غونزاليس (35 عاما)، وهو مدير مجموعة عبر فيسبوك للمولعين بركوب الدراجات الهوائية في كوبا، مباشرة إلى الرئيس الكوبي إثر إلغاء هافانا تجمعا لراكبي الدراجات في تشرين الأول بحجة مكافحة (كوفيد – 19).
وكتب عبر تويتر «عزيزي ميغيل دياز-كانيل، أكتب لك مع الأمل في إنقاذ الحدث الأجمل في مدينتنا خلال هذه السنة الصعبة». ويوضح ياسر «لا مشكلة لديّ في الكتابة للرئيس: إذا أراد الرد فذلك رائع، وإلا فأكتفي بهذا الحد».
لكن بعد بضعة أيام من نشره التغريدة، خضع ياسر للاستجواب من جهاز أمن الدولة. ويقول «استدعتني الشرطة وأظن أن الأمر متصل بما كتبته إلى دياز-كانيل»، مضيفا «أرادوا تحذيري بضرورة وقف فعل ذلك». وللصحافية المستقلة كاميلا أكوستا البالغة 27 عاما، سهّل الإنترنت عملها وزاد من انتشار موقعها المعارض «كوبانت». قبلا، كانت تعتمد على شبكات الإنترنت اللاسلكي في المتنزهات العامة، لكن الخدمة كانت «سيئة جدا». غير أن «التقدم الحقيقي حصل مع الإنترنت عبر الهواتف المحمولة»، وفق كاميلا.
لكن عندما نشرت الشابة صورة عبر «فيسبوك» تسخر فيها من أب الثورة الكوبية فيدل كاسترو، مع فيديو لطابور انتظار طويل أمام متجر كبير وصورة لاستدعائها من الشرطة إثر مشاركتها في تظاهرة، فرضت السلطات عليها غرامة مقدارها ثلاثة آلاف بيزوس (125 دولاراً).
وحصل ذلك بالاستناد إلى المرسوم 370 الذي يمنع نشر أي «معلومة تضر بالمصلحة الاجتماعية والأخلاقيات والعادات السليمة وسلامة الأشخاص».
 
الدفاع عن الثورة
وقال الحزب الشيوعي الحاكم أخيرا إن «شبكات التواصل الاجتماعي استحالت منصة دائمة للمقارعة العقائدية، ويتعين أن تسود حججنا فيها على الحملات المعادية».
وأكد نائب وزير الاتصالات في كوبا إرنستو رودريغيز هرنانديز لوكالة فرانس برس في 2019 ضرورة أن يخدم الإنترنت «الحقيقة» والثورة في كوبا.
وقد رفضت كاميلا دفع الغرامة المفروضة عليها، معرّضة نفسها لعقوبة سجن محتملة لستة أشهر، على غرار عشرة من بين حوالى ثلاثين شخصا عاقبتهم السلطات في البلاد منذ كانون الثاني 2020. وتؤكد الشابة «لم ألجم نفسي مذاك، بل على العكس»، قائلة إنها تخرج إلى الشارع مع «استعداد دائم لاستخدام الهاتف في التصوير المباشر» في حال توقيفها. وتوضح «هذا يشكّل نوعا من الحماية لنا»، مذكّرة بأنها استخدمت أسلوب التصوير المباشر هذا لدى توقيفها نهاية تموز، ما سمح بتنبيه أقاربها وإيجاد حالة من التعبئة لإطلاقها. وتحدث سكان كثر في الأسابيع الماضية عن حالات انقطاع غريبة لخدمة الإنترنت تحول دون الاتصال بشبكات التواصل الاجتماعي خصوصا «فيسبوك» و»تويتر» و»واتساب».
وفي تشرين الأول، خرجت «تلغرام» عن الخدمة في البلاد، مع تنديد حوالى عشرين منظمة غير حكومية بينها «مراسلون بلا حدود» بما اعتبرته تعطيلا متعمدا محتملا.وتقول فيرونيكا أروبو المكلفة الشؤون السياسية في أميركا اللاتينية في منظمة «أكسس ناو» التي تتخذ مقرا لها في نيويورك، إن «الإنترنت يتيح ممارسة الحقوق، بينها حرية التعبير، ولكوبا تاريخ طويل من قمع هذه الحرية».
وتضيف «كوبا تدرك أن الإنترنت أداة ضرورية لتنمية (البلاد)، وهذا هدفهم، لكن ثمة أمور قد تفلت منهم، لذا هم يفرضون عمليات رقابة».