تنمية الاحساس الوجداني والفكري في {حيرة}

ثقافة 2021/01/26
...

علوان السلمان
 
النص الشعري. اشتغال على البنى اللغوية والصورية والإيقاعية الداخلية والخارجية لما يمتلكه من طاقة ايحائية وقدرة تفجيرية مستفزة لِذات الآخر ونابشة لخزانته الفكرية.. باستثمار التداعي والتفاصيل اليومية لإضاءة العوالم المعتمة بألفاظ متوهجة بعيدة عن الضبابية والغموض ببناء درامي متصاعد.. مقترن بالتحولات المجازية والجمالية باعتماد على ممكنات التخييل الخصب واصطياد اللحظة الواقعية ومزجها به من اجل خلق صوره النابضة بمشاعر 
منتجها.
وباستنطاق النص الشعري (حيرة) الذي أنتجته ذهنية الشاعر الواعية والمترقبة لواقعها يحيى السماوي ونسجت حروفه صورا مشهدية مستفزة.. تعنى بالإيماءة الخاطفة المركزة التي تقول الكثير من المسكوت عنه بدرامية اتخذت المناجاة النفسية تقنية لها.. مع توافر عنصر الادهاش والابتكار وتجاوز المألوف والجرأة في تناول الوجع الانساني (سياسيا واجتماعيا..) بتوظيف الرمز التاريخي الذي اضفى على النص نوعا من المفارقة: (سـأظـلُّ مـشـنـوقـاً بـحـبـلِ/ الأسـئـلـةْ: الـدارُ ثـكـلـى/ والـمـديـنـةُ أرمـلـةْ/ وطـنٌ تَـسَـيَّدَهُ الـلـصـوصُ/ وعـاقـدو صـفـقـاتِ نـصـفِ الـلـيـلِ/ والـمُـتَـجَـلـبـبـونَ بـطـيـلـسـانِ “الـبـسـمـلـةْ” فـإذا حُـفـاةُ الأمـسِ بـاتـوا الـيـومَ أسـيـاداً/ بـأرفـعِ
مـنـزلـةْ).
فالنص يعتمد السرد الشعري كي يرتقي من التعبير الذاتي الى افق موضوعي يتميز بعمق الرؤية التي تتسم بواقعية تسجيلية مع اشتغال على سيكولوجية الذات انطلاقا من معطياتها وسلوكها النفسي وتحولاتها.. فضلا عن ذلك يسجل الشاعر لحظة حركة الواقع ويرصد متناقضاتها باعتماد المشهد الذي ينتزع اللحظة ويسجلها بعناية متناهية بلغة واعية مرتبطة بمشهدية متعاقبة مبنية على الحوار الذاتي الذي عزز عنصر الدراما.. ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة.. والنص الموازي والعتبة التي تحتضن عوالمه.. والمفتاح الاجرائي في التعامل مع متنه في بعديه الدلالي والرمزي.. (حـتـى مـتـى يـبـقـى عـلـى الـتـلِّ الـجـيـاعُ/ مُـحَـدِّقـيـنَ بـسـارقـيـهـمْ/ مُـكـتـفـيـنَ بِـشـهـرِ سـيـفِ “الـحَـوقـلـةْ”؟ / ولِـمَ اسْـتـحَـلـنـا لا نُـمـيِّـزُ بـيـن “حلّاجٍ” وحـجّـاجٍ “/ وفـلّاحٍ وسـيّـافٍ/ ولا بـيـن “الـحـسـيـنِ” و “حـرمـلـةْ “؟/ فـمـتى تـفـيـقُ مـن الـسُّـبـاتِ جـمـوعُـنـا/ الـمُـسـتَـغـفَـلـة!). 
يحاول الشاعر تحفيز الوعي الانساني مع تركيز على موسقة الالفاظ الموحية والتراكيب الجملية المكثفة التي تكشف عن الجوانب النفسية من خلال حوار الذات.. فضلا عن تنمية الاحساس الوجداني والفكري من خلال الصورة الشعرية التي تقوم على آليتي (المكونات والسمات) من جهة ومن جهة أخرى تجاوزها الى ما هو بياني ومجازي ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي، وهو يجمع ما بين الحسي والذهني بتشكيل بصري.. ونبر ايقاعي جاذب ورؤية واعية مبنى ومعنى.. ناثرا تفعيلاته للاقتراب من الحداثة الشعرية.. القائمة على الاستدلال باعتماد تقنيات فنية واسلوبية كالتنقيط دلالة الحذف والاستفهام التحريضي الباحث عن جواب مع توظيف الرمز الذي يسهم في تصعيد التكنيك الشعري وتوسيع مديات التجربة الشعرية باستدعاء المتلقي لتحريك ذاكرته والكشف عن ابعاده الفنية والانسانية.. فضلا عن اتصافه بالتعابير السردية، الحدث والشخصية والحوار بشقيه (الذاتي والموضوعي).. واعتماده خطابا سرديا يتسم بالواقعية التسجيلية المتميزة بالحركة مع اتساع جغرافية المكان البؤرة الثقافية الراصدة للموقف
الاجتماعي.
وبذلك قدم الشاعر نصا شعريا شكل دفقة شعورية موجزة العبارة، متميزا بانسياب صوره المتوهجة مع تركيز على الانزياح والدلالة.. باعتماد رؤية متشابكة بينه والواقع بكل تمفصلاته الخالقة لمشهد ينتزع اللحظة ويسجلها بعناية متناهية مبتدئا بضمير المتكلم من خلال حوار ذاتي وحركة الزمن
الخفي.