د. رسول محمد رسول
المقترب بين مفكرين، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب الأوروبي، في شؤون الدين علامة طيبة الذكر ولا غرابة أن نجمع بين عدد من المفكرين في الشرق والغرب إذا كانا يقدمان معرفة مفيدة ودقيقة لمشكلة ما أو مصطلح ما، ففي العام قبل الماضي صدرت للرفاعي مراجعته لترجمة كتاب (العقل والمعتقد الديني/ مدخل لفلسفة الدين) وهو كتاب ثر المبنى والمعنى وله صولة في عدد من الجامعات مشترك التأليف شارك فيه: مايكل بيترسون، ووليام هاسكر، وبروس رايخنباخ، وديفيد باسنجر، ونقلته إلى العربية زهراء طاهر، وراجعه الدكتور عبد الجبار الرفاعي
لقد قرأتُ ذلك الكتاب فلم أجد في متنه تعريفا لمصطلح "فلسفة الدين" لكني وجدته فيه من دون تعريف قاطع، إلا أن الرفاعي يبدو تنّبه إلى ذلك فسعى إلى ملء الفراغ في "التقديم" الذي كتبه لهذه الترجمة التاريخية باحثا مدققاً في شؤون فلسفة الدين حتى توصّل إلى بناء تعريف من وجوه عدّة، شبه جامع، لمصطلح "فلسفة الدين" من خلال تناول شؤونه من قريب وبعيد وهو شخص كان خاض في غمار التفكير الديني عملياً عبر عقود طويلة وفي غير بلد إسلامي حتى هذه اللحظة، فاستغل خبراته وثقافته ودرايته لردم الفجوة في هذا الكتاب ذي التأليف المشترك، وبالفعل جاءت مشاركته في الكتاب مشاركة رجل متخصّص لكنها مشاركة تكميلية فطوبى للرفاعي لكونه تنّبه إلى النقص حتى قدّم صورة متكاملة لهذا الكتاب المهم الذي سُعِدَ به قرّاء العربية.
ومؤخراً قرأنا كتاب (العوسج الملتهب وأنوار العقل/ ابتكار فلسفة الدين) لمؤلفه الفرنسي جان غرايش بعد أن تمّت ترجمته إلى العربية بجهود محمد علي مقلد وزملاء له.. ومراجعة مشير باسيل عون، وهو مشروع ترجمة لدار الكتاب الجديد المتحدة في بيروت وطرابلس الغرب، وأكثر تحديداً مشروع ترجمة تاريخي نهض به "سالم أحمد الزريقاني" فطوبى له ولهذه الجهود.
ما هو مهم أن جان غرايش هنا هو مؤلف الكتاب وقد بدا مؤرخا (أرخنة) = (Historizing) عملاقاً لفلسفة الدين فعاد إلى البدايات، ومرّ على كل ما يمت بصلة في فلسفة الدين حتى أنه قدّم أنطولوجيا شبه متكاملة لفلسفة الدين جريئة كشف فيها عن الجذور وما تلاها في شؤون فلسفة الدين، ومنها أقدم تعريف لمصطلح "فلسفة الدين" ذاك الذي ظهر لدى "سيغموند فون ستورشينو" الذي عاش قرابة قرن من الزمان سوى سنوات قليلة للفترة 1711 إلى 1797(أي: توفي في نهاية القرن السابع عشر)، وفي سنوات عمره صكّ مصطلح فلسفة الدين في منشور أثار الإعجاب والجدل؛ بل أصدر وباسم مستعار في أوغسبورغ (في بافاريا الألمانية) سنة 1772 كتابه (فلسفة الدين) وطاب له هذا الإصدار حتى راح يوسّعه بين سنة 1773 لغاية سنة 1781 حتى أصبح في سبعة مجلّدات، وهي معلومات قيمة عن مشاركته هذه (ص 144 – 145، الجزء الأول).
إن هذا التأصيل التاريخي من جانب غرايش شبيه بتأصيل عبد الجبار الرفاعي في المقدّمة التي نُشرت مع الكتاب الذي صدر سنة 2019، فكلاهما وعى درس التأصيل وجاء به إلى مدار أن يكون..، وكلاهما يمتلك الوعي الأبستمولوجي لخلق اللحظة المعرفية الحقّة التي نأى عنها التاريخ وخلق غشاوة هي الموئل للخداع، الأمر الذي يعني وجود صعوبات على قارعة الطريق لا بد من تذليلها وهو ما فعله عبد الجبار الرفاعي وزميله جان غرايش كل بحسب ما اشتغل وتأمل وكتب فطوبى لهما باحثين جادين؛ الأول كان يوسّع من دائرة البحث نحو تكاملية في ظهور المصطلح والثاني يؤصل ظهور مصطلح فلسفة الدين عبر قرنين من الزمان فاستحقا اِلإشارة على ما فعلاه وأصدراه.
إن كلا الكتابين يعدان مصدرين مهمين في فلسفة الدين، وكلا الباحثين أدليا بجهدهما فبوركا على ما فعلا.