الأفكار الدخيلة

منصة 2021/01/26
...

نهى الصراف
 
عندما نقع في مأزق ما، تكرار مشاهد معينة في حياتنا؛ المشاهد المظلمة منها بصورة خاصة تلك التي لم تنته بضوء في آخر أنفاقها، هي بذاتها التي تستدعي مشاعر معينة يجتمع أغلبها عند عتبة القلق. أما الطريق الأكثر سلاسة الذي يأخذنا إلى هذه العتبة فهو في الغالب سؤال لا يضاهيه أي سؤال آخر في البساطة واليسر؛ ماذا لو؟
تتفرع عن هذا السؤال (ماذوات) كثيرات - إذا صح القول - لتبدأ مسيرتها في حائط يومياتنا مثل حشرة أرضة لا يمكن إيقافها أو منع التخريب الذي تحدثه. في البدء، ماذا كبيرة ومخيفة تقول (ماذا لو كان هذا كابوساً سأستيقظ منه يوماً ما)، تليه (ماذا لو استمعت إلى نصيحة الأصدقاء وتأنيت قليلاً)، تليه (ماذا لو قبلت بوظيفة مؤقتة؟)، (ماذا لو انتظرت نهاية العام قبل أنْ أتخذ قراراً متسرعاً)، (ماذا لو قطعت العلاقة في بداياتها؟)، ثم (ماذا لو لم أغادر؟).
يصف متخصصون في علم النفس هذه الأسئلة بوصفها كائنات غير مرئيَّة دخيلة على حياتنا كونها تتغذى على عنصر التكرار وهي غير واقعيَّة بالضرورة، أما تكرارنا لهذه الأفكار حتى وإنْ خلت من المنطق، فهذا يجعلها بالضرورة تحوم مثل خيال مزعج فوق حياتنا وهي ستتركنا بسهولة في قبضة القلق، مقيدين في أماكننا من دون حلول.
يبدو أنَّ محاولة تشتيت الانتباه إلى انشغالات أخرى من ضمن الحلول المطروحة للتخلص من تسلط هذه الأفكار، إلا أنها حلولٌ مؤقتة أو أنها لا يمكن أنْ تنجح في جميع الحالات، إذ سرعان ما يعود شبح الأسئلة الأولى يخيم على أرواحنا في أي لحظة صفاء أو هدوء تمرّ علينا وإنْ في فترات متباعدة.
السيناريو الأكثر نجاحاً من وجهة نظر علم النفس يتضمن عنصر المواجهة المباشرة مع المشكلة التي تقف في الطريق، في ابتكار طرقٍ جديدة للتعامل معها أو في الأقل حرف مسارها، فما قد يظهر في بدايته ثقلاً كبيراً لا نقوى على تحمله.. قد يتحول بالتدريج إلى عارضٍ بسيطٍ يمكن التعامل معه. يلجأ بعض الناس إلى طريقة قد تبدو مضحكة وغير عملية للوهلة الأولى؛ تدوين نقاط الخلاف وعناصر المشكلة بالتفصيل مع الإشارة إلى مخاوفنا الكامنة إذا ما عجزنا عن التعامل مع أي واحدة منها وهذا ما ندعوه بالأسئلة الدخيلة التي تتمحور حول (ماذا لو؟). على الرغم من تحفظ الآخرين عليها، فإنها خطة مجربة لمواجهة أولى للمشكلة، يليها الاعتراف بتأثير القلق وهذا يعني أنَّ ما يسبب لنا هذا الضغط النفسي والقلق قد يؤتي ثماره فتتحقق مخاوفنا، عندما قد نصل إلى مرحلة التسليم بالأمر الواقع وفي هذا الوقت سيطرح السؤال المهم نفسه مباشرة؛ (ثم ماذا؟).
هذه الدائرة الضيقة من المخاوف التي تبدأ من (ماذا لو؟) وتنتهي بـ (ثم ماذا؟).. تختصر المرحلة التي يستغرقها بزوغ المشكلة وفتورها، متى ما نجحنا في تجاوزناها سيتلاشى القلق بالتدريج، لأننا نكون قد حصرنا الخسائر المحتملة وحاولنا وضع البدائل الممكنة لها. تعتمد هذه النتيجة على طبيعة إدارتنا للأفكار الدخيلة، فبدلاً من أنْ نسمح لها بالتسلط على حياتنا، علينا أنْ نستخدمها لتسوق الحلول لمصلحتنا من خلال محاولة تفتيت مخاوفنا وهذه هي الطريقة المثالية للتخلص منها.