تندرج القيم المتعارف عليها اجتماعياً ضمن أنساقٍ متعددة يكون للاحتشاد الفولوكلوري – الاجتماعي مكانته الدائمة في التلقي والتمثل الاجتماعي والاستجابة التي يكون للحواس الخمس أثرها في تسلم الأثير وتمثله ميدانياً – حياتياً.
في دراسة جوزيف كورتيس (التصويري والثيمي) التي ترجمها إدريس سعيد ونشرها في العدد 4 سنة 1995 في مجلة (علامات) المغربية، يقوم الكاتب بتحديد البعد التصويري في كل المضامين التي تعود للحواس الخمس, أي كل ما يمكن إدراكه كمعطى مباشر قابلٍ للمعاينة في العالم الخارجي، ويتحدد البعد القيمي هنا كمكونٍ مجردٍ، مضموناً لا رابط له مع العالم الخارجي.
ورغم عدم تأكيدنا أنَّ البعد الثيمي (القيمي) يعدُّ كوناً مجرداً، ومضموناً لا رابط له مع العالم الخارجي، فإنَّ ذلك يأتي لأنَّ هذا العالم يتأثر بواسطة إنسانه المتلقي بمنظومة القيم التي يطلقها النص المقروء (الرسمي) أو (الجهري) المدون الشعبي - الفولوكلوري -.
إنَّ تركيز كورتيس على البعد التصويري يجعلنا نأخذ مقولته بعين الاعتبار هنا؛ ذلك أنَّ لفظ التصويري يطلق على كل مدلول وكل مضمون للسان الطبيعي، وبشكلٍ أوسع على كل نسقٍ تمثيلي (بصري مثلاً) يمتلك معادلاً على مستوى الدال (التعبير) في العالم الطبيعي والواقع المدرك.
بناءً على ذلك فإنَّ كل ما يعود داخل كون خطابي معين (لفظياً كان أو إيمائياً) الى إحدى الحواس الخمس المعروفة: البصر – السمع – الشم – الذوق – اللمس، نطلق عليه مصطلح (التصويري)، وعلى ذلك فإنَّ المتلقي يستقبل المادة الفولوكلورية بواسطة هذه الحواس فضلاً عن التأثير الفكري، ويكون المتلقي رهينَ منظومة هذه الحواس وقدرتها على التأثير المدرب فكرياً.
إنَّ بنية الأداء الحكائي للسيرة الشعبيَّة جهراً بواسطة الراوي –الحكواتي – القصخون تتكون مقوماتها من القول الجهري والحركة وطبقات الصوت ووسائل الإيضاح الأخرى من عصا أو سيف وعمامة أو طربوش ومن متممات الجلوس داخل الديوان (المضيف – المقهى – الفناء)، ويكون التلقي مرهوناً بالوقت المناسب والمكان المناسب ورغبة المتلقي مع قدرة الراوي –المؤدي على التأثير والإدهاش.
إنَّ التقاطات الحواس الخمس أو بعضها للخطاب الجهري المقدم من قبل الراوي هنا يرتبطُ أيضاً بمنظومة القيم الاجتماعية التي يتمتعُ بها الفرد والجماعة هنا.
ذلك يعني أنَّ منظومة القيم القديمة – التاريخيَّة – السرديَّة – الفولوكلوريَّة هنا تشكل ظاهرة قيميَّة تصويريَّة فولوكلوريَّة ولكنها أيضاً تشكل عطاءً تصويرياً لقيم ومناقب زمن سالف وسط زمن يتجدد, وذلك يعزز صورة الصراع بين الماضي والحاضر وبين القيم في مختلف عصورها رفضاً
وقبولاً.