الشارع اللبناني يشتعل وذروة المواجهات في طرابلس

الرياضة 2021/01/29
...

 
  بيروت: جبار عودة الخطاط
 
انزلقَ الوضع في لبنان الى منحدر خطير واشتعل الشارع الذي اختلف المراقبون في تقييم حركة احتجاجه، الكثيرون قالوا هي "ثورة جياع"، والناس لم تعد تحتمل، وذهب آخرون الى أن ثمة جهات تعمل على تأجيج الشارع باستغلال عمق مأساته المعيشية، وهناك من ربطه بالأزمة الحكومية مشيراً الى رسائل ضغط لانتزاع تنازلات، غير ان النائب جميل السيد كان الأكثر إثارة بوصف ما يجري بأنه "معركة بين الأخوين بهاء الحريري، وشقيقه المكلف سعد الحريري على إمارة لبنان".
مهما يكن من أمر، فأن الناس طفح بها الكيل، وأن لبنان اليوم يعيش منعطفاً حرجاً للغاية يمكن أن يتهدد نسيجه الاجتماعي "بل يمكن أن يفضي به الى تفكك وجوده"  كما حذر فاعلون في السياسة اللبنانية، فلليوم الخامس على التوالي تستمر حركة الاحتجاج وتتصاعد لتأخذ مساراً محتدماً، لا سيما في طرابلس عاصمة الشمال التي شيعت أحد أبنائها الشاب "عمر طيبة" الذي لقي حتفه بعد تلقيه رصاصة في صدره في الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدينة، والتي يقول المشاركون فيها إنهم لا يستطيعون العيش وتأمين لقمة عيالهم في ظل تمديد قرار الإقفال العام، وذكر لـ"الصباح" مشاركون في التشييع الذي جرى في التبانة جامع الغرباء، قريباً من {دوار أبو علي»، ان "أكثرنا يعمل بشكل يومي من أعمال يومية لتأمين الحدود الدنيا من مستلزمات معيشتنا، فماذا نعمل بعد أن (سكروا البلد وصار ما فينا نجيب لأولادنا ربطة خبز، لا منها محمولة هيدي أبداً ومارح تقطّع عنا، بدنا نعيش، ومارح نقبل إنو يخنقونا هالسياسيين الزعران)". 
المحتجون في طرابلس واصلوا ما يسمونه بـ(الثورة) ضد الفاسدين، وأكدوا ان اعتصامهم في  ساحة "النور" سيستمر، وقد انتقلت أعداد منهم الى السراي الحكومي في المدينة وأضرموا النار فيه وراحوا يرشقون القوى الأمنية المكلفة بحمايته بالحجارة، بينما عمدت عناصر منهم الى إطلاق مقذوفات المولوتوف، وردت القوى الأمنية على ذلك بإطلاق القنابل المسيلة للدموع بكثافة، بغية تفريقهم، ونجم عن ذلك سقوط عدد من الجرحى، وقد استمرت عمليات الكرّ والفرّ، في حين توجهت مجاميع من المحتجين الى عدد من المقار الرسمية ومنازل النواب في المدينة لترشقها بالحجارة وأضرمت النار في قسم منها؛ مثل المحكمة السنّية الشرعية، وبلدية طرابلس، ومقار أخرى أحرقت جراء القاء قنابل المولوتوف.
نواب طرابلس أصبحوا في وضع لا يحسدون عليه بعد التهديد الأمني الكبير الذي بات يتهددهم من قبل المحتجين ما حدا بالنائب نجيب ميقاني الى الإعلان: "إذا لم يتمكن الجيش من ضبط الوضع في طرابلس خلال الساعات المقبلة فنحن ذاهبون الى الأسوأ وقد أحمل السلاح لحماية نفسي ومؤسساتي"، داعياً المجلس الأعلى للدفاع للاجتماع لاتخاذ قرارات حازمة لضبط الوضع. 
حركة الاحتجاج وقطع الطرقات بالدواليب المشتعلة امتدت على مساحة مناطق لبنانية كثيرة حيث قطع محتجون في البقاع طريق شتورا-المصنع الدولية عند مفرق المرج بر الياس، وانطلق عدد من أهالي مدينة صيدا في جنوب لبنان بمسيرة راجلة جابت شوارع المدينة وداخل صيدا القديمة، أما في بيروت فقد قطع محتجون الشارع المؤدي للمدينة الرياضية وتظاهر عدد من المحتجين عند منطقة الدورة وفي ساحة رياض الصلح، وتجمّع محتجّون أمام وزارة الداخلية والبلديات في محلة الصنائع وردّدوا هتافات مندّدة بالطبقة السياسية.
وفي خطٍ موازٍ، علق النائب جميل السيد على الاحتجاجات الناقمة بقوله: "كورونا وجوع.. الخوف من الكورونا يُحْجِر الناس بالبيت، والخوف من الجُوع يُخرِجهم إلى الشارع، فكيف للدولة أن تحجُر الجائع؟! في طرابلس وسعد نايل والمرج والجِيّة والمدينة الرياضية، محتجّون وعسكريون يتواجهون، فقير في مواجهة فقير، وبين هذا وذاك، حرب بين الأخوة بهاء الحريري وسعد الحريري على إمارة لبنان". 
جدير بالذكر أن النائب جميل السيد يشير الى الأخ غير الشقيق لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، رجل الأعمال بهاء الحريري الذي تقول أوساط سياسية في لبنان: إن هناك دوائر سعودية نافذة تعتزم تقديمه بديلاً عن سعد الحريري الأمر الذي نفته في حينه السفارة السعودية في بيروت، ويبدو بهاء الحريري أكثر تشدداً في موقفه من حزب الله وفريق 8 آذار، غير إن الواقع لا يشير الى أي خبرة سياسية يحملها الأخير كي يلعب دوراً سياسياً محتملاً في لبنان. 
رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من جانبه؛ شدد على أن ما "حصل في مدينة طرابلس جريمة موصوفة ومنظمة يتحمل مسؤوليتها كل من تواطأ على ضرب استقرار المدينة واحراق مؤسساتها وبلديتها واحتلال شوارعها بالفوضى"، مضيفاً "الذين اقدموا على إحراق طرابلس مجرمون لا ينتمون للمدينة وأهلها، وقد طعنوها في أمنها وكرامتها باسم لقمة العيش".
في حين لفت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى أنه "لا تكفي الإدانة لتعويض طرابلس ما دفعته من أثمان باهظة بتوظيف ساحاتها في توجيه الرسائل السياسية النارية. خسارة طرابلس لا تقتصر على محاولة طمس تراثها وتاريخها، وإنما في العبث والشغب الذي أراد تشويه صورتها، وحاضرها، وما تختزنه من قوة إرادة صلبة لمواجهة التحديات".