ياسر المتولي
ألحظ كمراقب للشأن الاقتصادي منذ فترة ثلاث سنوات ان الحديث عن أزمة السكن خفَّ تقريباً إلا ما ندر، وليس كما كانت الدعوات منذ مرحلة التغيير والى فترة ليست بالقليلة، ما السبب في تصوركم؟
تعالوا معي لنحلل وقائع الازمة والمراحل التي مرت بها لتكون الصورة واضحة كيف خفت حدة الدعوات وباتت خارج مطالبات حتى المتظاهرين .
مع بداية مرحلة التغيير في العام 2003 كانت الحاجة تقدر بـ ثلاثة ملايين ونصف المليون وحدة سكنية، بحسب تقديرات وزارة التخطيط، جرت محاولات لمعالجة ازمة السكن في اكثر الحكومات التي تعاقبت على مسك زمام السلطة بالبلد لكنها جميعاً لم تصل لمستوى الطموح.وفي ذلك الوقت كانت امكانات وقدرات شركات وزارة الاسكان قادرة على حلها، ولكن هكذا أريد لها إلى أن خرجت عن تفكير الحكومات.ما النتائج التي خلفها اهمال معالجة السكن ؟!أول المساوئ باتت بسبب ازمة السكن وتجذرت هي بروز العشوائيات بحيث اصبح من الصعوبة بمكان اقتلاعها مالم يصدر قرار بمعالجتها بشكل سليم وانساني ومخطط .أما المشكلة الأخرى التي سببتها ازمة السكن هي تقطيع البيوت الى اجزاء صغيرة تتعارض مع أسس وقوانين التصميم الاساس للمدن وتسببت بضغط الخدمات العامة وشروط البيئة والصحة وخارج ضوابط اجازة البناء، بما سمح للتجاوز حتى على المقتربات العامة والارصفة .
انتشار ظاهرة تغيير صنف الارض وتحويل الزراعية والبساتين بعد تجريفها الى سكن عشوائي ايضاً ولك ان تتصور حجم تأثير هذه المشكلة على واقع العراق الزراعي والاقتصادي والامن الغذائي والخسائر التي سببتها للقطاع الزراعي المعول عليه بتنويع مصادر التمويل .
هذه الامور وغيرها التي انتشرت بشكل متسارع وبسبب سوء التخطيط وعدم معالجة أزمة السكن خلفت جذورا لايمكن اقتلاعها بسهولة. لذلك تجد الحديث عن أزمة السكن قد تلاشى ليس لانتهاء الازمة إنما لاستسهال التعاطي معها خارج الانظمة والقوانين المرعية التي تنظم العقد الاجتماعي، فقادت هذه الظواهر الى عدم احترام القانون وفوضى في السلوك بعد ان يئست من وعود حلها.الان ما المطلوب لحل ازمة السكن الحقيقية؟نحتاج ابتداءً دراسة كيفية اقتلاع جذور ازمة السكن واعادة تنشيط الانظمة والضوابط اللازمة والمدونة في التخطيط الحضري . كيف تعالج هذه الامور؟ لفت انتباهي قرار ديواني لامانة مجلس الوزراء، وجه فيه صندوق الاسكان بمنح القروض الاسكانية من دون فوائد ولمدة لابأس بها وهو قرار تشجيعي، ومن احسن قرارات معالجة ازمة السكن في تاريخ الحكومات، ولكن يتعين ان يرافق هذا القرار تنظيم تسليف القروض وفق ضوابط لاعادة نظم وضوابط البناء والمحافظة على تصميم المدن، ومن ثم تخصيص مجمعات سكنية واطئة الكلفة ومتكاملة الخدمات وتوزيعها بين اصحاب العشوائيات ليصار الى رفع كل التجاوزات. تشجيع الاستثمار السكني الخاص والذي أثبت قدرته ونجاحه في انشاء مجمعات ووحدات سكنية تعد اليوم مفخرة، وان يتكفل صندوق الاسكان بتسديد كلفها لحساب الأسر التي تقطن العشوائيات (مبلغ قروض السكن من دون فوائد)، وتسدد فيما بعد بأقساط مريحة ومن دون فوائد وبذلك نستطيع حل نصف الازمة واقتلاع جذرها الاول لاعادة تنظيم التصميم الاساس للمدن . يتعين على الحكومة ووزارة المالية على وجه الخصوص ايقاف اطلاق القروض العشوائية ولاي نشاط إلا بعد تنظيم جدوى اطلاقها عند ذلك نستطيع استثمار القروض بتحقيق بداية تنمية حقيقية.