صديق في محنة

منصة 2021/02/01
...

  نهى الصراف
مواساة صديقة أو صديق يمر في محنة، يعدُّ من أصعب المواقف الإنسانيَّة التي يمكن أنْ تصادفنا. يفقد بعض الأصدقاء أقرب المقربين لهم بسبب مرض أو حادث سير أو يعانون أنفسهم من مرضٍ ما، تخسر صديقة وظيفتها أو تتعرض لأزمة نفسية، الكثير الكثير من الظروف العصيبة التي يمكن أنْ يواجهها أشخاصٌ تربطنا بهم صلة قرابة أو صداقة أو حتى معرفة بسيطة. حين يأتي دورنا للوقوف إلى جانبهم ومؤازرتهم يختلط علينا الأمر، ثم ترتبك ردود أفعالنا بين المبالغة في التقرب أو المبالغة في الابتعاد خوفاً من أنْ نتفوه بكلمة غير مناسبة أو أنْ نأتي بفعلٍ غير لائقٍ، ولعلنا نشترك مع العديد من الناس في جهلنا بالطريقة المثلى للتعامل مع هذه المواقف والكيفيَّة التي يمكننا بوساطتها أنْ نقدم الدعم العاطفي أو المادي لهؤلاء الأصدقاء الذين يمرون بمحنة، من دون أنْ نرتكب هفوات قد تتسبب في زيادة معاناتهم.
يقع بعضنا في فخ مواساة الآخرين باستخدام كلمة "أفضل"، هذا التعبير اللفظي قد لا يكون هو الإمداد العاطفي الذي يحتاجونه في أوقات محنتهم، خاصة محنة الفقد. ولأننا نعمد إلى تكرار مواساتنا بهذه الصورة فكأننا نطلب منهم التسليم بأنَّ ما يحدث لهم ليس بالأمر الأسوأ على أية حال؛ فالابتلاء بمرض ما يمكن علاجه أفضل من المعاناة من مرضٍ خطير، وفقد وظيفة أفضل من فقد الصحة، بينما خسارة قريبهم المسن ليس بالمحنة الكبيرة فهو على الأقل تمتع بسنوات عمر طويلة وهو لا يقارن بالتالي بفقد شخصٍ شاب في مقتبل عمره، كما أنَّ فشل حياة زوجية ليس بالسوء الكبير طالما أنهم خرجوا من التجربة المريرة بأطفالٍ رائعين. هكذا نواصل مواساتنا بكلمة "أفضل" و"على الأقل" مسلمين بأنها الخيار الأفضل، نطالبهم بالنظر إلى "الجانب المشرق" وأنْ يكونوا ممتنين فقط لأنَّ الأسوأ لم يحدث!
ننسى في كثيرٍ من الأحيان، وربما نتغاضى، عن حق هؤلاء الأشخاص في أنْ يكونوا بمفردهم في المرحلة الأولى ليستوعبوا خسارتهم، وهم في ذلك أبعد ما يكونون عن الاستماع لنصائحنا أو حتى النظر إلى الجانب المشرق، حيث الألم لا يزال طرياً في أرواحهم والخسارة لا تزال في أولها وعندما نقتحم عليهم وحدتهم فإننا نطالبهم بالقفز على المراحل وتخطي اللحظة الراهنة.. حقهم في عيش لحظة الحزن بكامل أبعادها، إذ إنَّ الشعور بالحزن في وقت حدوث المصاب أو الخسارة مهما كان حجمه فهو أمرٌ طبيعيٌّ بل ضروري، ليقطع بعدها الشخص مرحلة التعافي تدريجياً بصورة طبيعيَّة وعلى طريقته الخاصة. من يدري، ربما يستطيع إيجاد طريق الخلاص من دون الحاجة لمن يقدم النصيحة. تصادفنا الكثير من هذه الصور التي نشاهدها في طقوس العزاء التي تتوارثها أجيالنا، جيلاً بعد الآخر، فهنالك بعدٌ نفسيٌّ مهمٌ يتأتى من سلوكٍ عفويٍ يقوم به أصدقاء وأقارب صاحب العزاء؛ ببساطة يقدم هؤلاء واجب العزاء لأصحابهم ويبدون استعدادهم للبقاء إلى جانبهم والاستماع إليهم.. ربما يستدرجونهم للحديث مطولاً عن حجم الخسارة وحجم الألم الكامن في نفوسهم. يقوم الأصدقاء هنا بمهمة الثقوب الصغيرة في الصخور الجافة، فهم يفسحون المجال لسيل المياه الجارف خلفها للإفصاح عن نفسه والخروج من الشقوق، قبل أنْ تتصدع أرواحهم.