تعدد مستويات التأويل في {الطريق التي لم تسلك} لروبرت فروست

ثقافة 2021/02/01
...

  محمد تركي النصار
يعد روبرت فروست المولود عام 1874 من أهم شعراء الولايات المتحدة خلال القرن العشرين.  يتميز شعره ببساطة الأسلوب واحتفائه بالطبيعة وهموم الناس البسطاء. فاز بجائزة بولتزر أربع مرات. من دواوينه المشهورة: نار وثلج، فراشتي، الطريق التي لم تسلك، قصائد مختارة وغيرها الكثير. توفي عام 1963. 
كتب روبرت فروست قصيدة (الطريق التي لم تسلك) في بريطانيا عام 1915. وبالرغم من إعلائها لقوة الشخصية لكنها تتضمن عدة معاني متباينة.
يواجه المتحدث في القصيدة خيار أن يمضي في احدى طريقين تتفرعان في غابة، منحازاً إلى الطريق الأقل سفراً وهو الخيار الذي يترتب عليه الاختلاف كله في حياته. وقد خلق فروست مستوى من الغموض ربما بسبب غموض المشاعر المصاحبة للحظة اتخاذ قرار معين التي نواجهها جميعا وهو ما جعل القصيدة مثاراً لمختلف التأويلات بين النقاد والقراء على حد سواء.
تبدأ القصيدة بمشهد رجل يمشي في غابة مصفرة الأوراق في فصل الخريف حتى يصل إلى مفترق طريقين حيث يقف لوقت طويل في المفترق محدقا في إحدى الطريقين ليرى إلى أين تفضي.
وبسبب كثافة الغابة وكون الطريق متعرجة فان المتحدث لايستطيع أن يرى لمسافة بعيدة.
وبلحظة يقرر أن يختار الطريق الثانية مفترضا بأنه خيار أفضل من الطريق التي ظل يحدق فيها لأنها معشبة وتبدو أقل تعرضا للانهاك والتآكل، واثناء المشي في هذه الطريق يحس بأن الطريقين ربما كلتاهما تعرضا للانهاك بالمقدار نفسه:
طريقان تشعبتا في غابة صفراء
وللأسف لم يكن بمقدوري أن أسلكهما معا
 وكمسافر وحيد، توقفت طويلاً
ناظراً إلى أسفل احدى الطريقين
حيث الأشجار الواطئة،
 بعدها اخترت الطريق الأخرى
معتقداً بأن هذا خيار صحيح
وربما أفضل
وحينما يلاحظ بأن أوراق الشجر في الطريقين لم يدس عليها أحد يحاول أن يقنع نفسه بأنه يدخر الطريق الثانية لفرصة اخرى لمداراة هواجس الندم من احتمال اتخاذه قرارا خاطئا، ثم يستدرك بأن طرق الحياة تؤدي الى بعضها بعضا لذلك فإن احتمالية العودة لتجربة الطريق الاخرى تبدو ضعيفة:
محتفظا بالطريق الأولى ليوم آخر
عارفا كيف أن الطرق تؤدي إلى بعضها بعضا
برغم شكوكي بإمكانية العودة.
 وتمضي القصيدة  فيتخيل البطل نفسه في المستقبل البعيد مستعيداً بحسرة قصة صنع قرار اختيار إحدى الطريقين وكأنه ينظر للماضي من المستقبل وماترتب على هذا الخيار وما أحدثه من فروق عديدة في حياته:
علي أن أقولها بحسرة
في مكان ما بعد أزمان وأزمان
طريقان تشعبتا في غابة 
واخترت أنا الطريق الأقل سفرا عليه
وهذا هو ما أحدث الفارق كله.
اختيار البطل لإحدى الطريقين في هذه القصيدة يمثل استعارة موسعة لمجمل الاختيارات التي نتخذها نحن جميعا في الحياة.
تستبطن القصيدة طبيعة الاختيارات وماذا يعني أن تكون شخصا يجبر في لحظة على اتخاذ قرار معين يغير مجرى حياته بمجملها. ولعل مشاعر الحزن الخفيفة تنتاب المتحدث في القصيدة بسبب امكانية التورط في قرار خاطئ.
وبسلوك احدى الطريقين التي ظن الشاعر في البدء بأنها الأقل سفرا يريد فروست التأكيد على أهمية القرار الشخصي وعدم سلوك الطرق التقليدية البالية. وبرغم هذا تظل القصيدة حتى النهاية غامضة بخصوص ما اذا كان اختيار الطريق المعشبة هو القرار الصحيح.
  ويتعدد التأويل بشأن البيت الأخير عندما يؤكد المتحدث بأن اختياره أحدث الفارق كله، إذ يعتقد الكثير من القراء بأن هذا يعني انتصارا للمغامرة ضد الخيارات المستهلكة، ولكن عبارة "أحدث الفارق كله" لا تعني بالضرورة أن الخيار كان صائبا لأنها ليست منحازة لتأكيد حقيقة واضحة فالفرق ممكن أن يكون ايجابيا أو سلبيا، خصوصا أن المتحدث يوضح بعد بضعة أبيات بأن الطريق التي سلكها ليست أقل استهلاكا كما ظن في البداية.
وبالامكان أيضا قراءة القصيدة بتأويل آخر أكثر ايجابية وفي هذا المعنى توحي القصيدة بأنه ليس أمرا مهما جدا ما اذا أحدث خيار المتحدث الفرق كله، وفي هذه القراءة تعكس القصيدة بأن بطلها والاشخاص الاخرين أيضا يتخيلون حيواتهم بخلق معانٍ معينة ربما لاتكون متحققة أصلا ولكنهم يرسمون هذه المعاني ليس كصورة مخادعة لكن بوصفها جزءا من الطبيعة البشرية.